عبدالزهرة محمد الهنداوي
مازلت اتذكر بقوة، ذلك الموقف الذي تعرضت له في منطقة الباب المعظم في ربيع عام 1988، يوم كنت طالبا في الجامعة، وذلك عندما عبرت الشارع من غير منطقة العبور متجاهلا جسر المشاة، الذي كان شاخصا فوق شارع الجمهورية، وما ان عبرتُ الشارع، حتى فاجأني ذلك الشرطي بتقاسيم وجهه الصارمة، وهو يمسك بكتفي الأيمن، آمرا إياي بدفع غرامة مالية مقدارهاخمسة دنانير عدا ونقدا، لأني ارتكبت مخالفة مرورية ، وحينها لم يكن في جيبي سوى تلك الخمسة دنانير وهي مصروفي، لأسبوع كامل، توسلت الى رجل المرور ان يسامحني ويتركني اذهب الى حال سبيلي، الا انه كانا متجهما قاسيا، مصرا على تطبيق القانون، فأما ان ادفع الغرامة، أو يسوقني الى “ابو زعبل” لامكث فيه ليلة أو ليلتين خضراوين أو زرقاوين، لست متأكدا ! عندها لم يكن امامي الا ان ادفع الغرامة كاملة من دون
إبطاء ..
كان ذلك الموقف درسا بليغا لي، ربما لن أتعلمه أو افهم معناه حتى لو درست سنوات في الجامعة، ومن يومها ، وكلما أردت عبور الشارع، ابحث كثيرا عن تلك الخطوط البيض التي كانت تزين شوارعنا ، مانحة أيانا أمانا ونحن نعبر تلك
الشوارع ..
ولعل سائل يسأل : وما الذي ذكرك بموقف لم يعد له معنى بعد مضي اكثر من 30 عاما، في وقت تشهد فيه شوارعنا فوضى عارمة من مستخدميها، سواء السابلة أو المركبات، فلا التزام ولا عقوبات رادعة توقف أو تحد من هذه
الفوضى ؟؟!!
أقول، ان الذي ادى الى تصدر ذلك الموقف سلّم أولويات ذاكرتي، جاء بعد تصويت مجلس النواب العراقي على قانون المرور في العراق، الذي منحني املا، في ان تشهد الشوارع العراقية، لاسيما شوارع العاصمة، تنظيما يعيد لها
ألقها .
يأتي تشريع القانون الجديد في توقيت جيد، على الرغم من انه جاء متأخرا، ولكن اعتقد لو صدر في سنين سابقة، ربما ماكان بالإمكان تطبيقه بسبب الظروف التي كانت تعيشها البلاد، أما الان فالوضع مختلف، العراق يشهد استقرارا واضحاً، وفرض سلطة القانون بدأت ملامحها تتضح بنحو أو بآخر، وبالتالي يمكننا الحديث عن إمكانية تطبيق قانون المرور الجديد، آملين ان ينجح رجال المرور في تطبيقه بنحو امثل، للحد من الفوضى المرورية التي تسببت بتزايد حوادث السير التي باتت تتسبب بأضرار وخسائر جسيمة، بشرية ومادية، فضلا عن الخراب الذي يضرب الشوارع طولا وعرضا، نتيجة عدم وجود قوانين رادعة، من شأنها الحد من تلك الفوضى، التي وصلت الى حد التجاوز على رجال المرور، وهم يؤدون وإجابتهم في تنظيم الحركة المرورية في الشوارع، واجد في مبالغ الغرامات التي حددها القانون رادعا مناسبا لجميع المخالفات، وقد حددها القانون،بمئتي الف دينار كحد اعلى و(25) الف دينار حد ادني، وهذه الأخيرة تفرض على الذين يعبرون من غير مناطق العبور، وهناك غرامات مناسبة للتعامل مع كل أنواع المخالفات المرورية .. ولكن في المقابل، ان تطبيق القانون يحتاج الى توفير الظروف المناسبة لهذا التطبيق، فلكي نحاسب الذين يعبرون من الأماكن غير المسموح بيها، ينبغي ان نحدد بوضوح مناطق عبور المشاة، ونحتاج أيضا الى تأثيث الشوارع بالعلامات المرورية، وتحديد أماكن الوقوف،والعمل على استعمال التقنيات الحديثة المتمثلة بالكاميرات والرادارات لضبط حركة الشوارع وتحديد المخالفين، وتعبيد الطرق، والاهتمام بفتحات الاستدارة والأرصفة الجانبية والجزرات الوسطية، ومنع أي تجاوز عليها، بوصفها ممتلكات عامة، وعدا ذلك، ربما سنكون أمام صعوبات في تطبيق قانون المرور
الجديد .