أسباب ونتائج الخطوة السعوديَّة نحو التطبيع

آراء 2023/10/09
...

  د. زيد البيدر

 جرت في الآونة الأخيرة محادثات بين السعوديَّة وإسرائيل برعاية أمريكيَّة من أجل قيام علاقات دبلوماسيَّة بين البلدين، وقد صدر أول تعليق رسمي سعودي يؤكد ذلك على لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في المقابلة، التي اجرتها معه شبكة فوكس نيوز الأمريكيَّة والذي تم نشره في 22 ايلول من العام الجاري، والذي أكد أن بلاده تقترب من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأيضاً اكد وزير الخارجية الإسرائيلي وجود مفاوضات بوساطة أمريكيَّة وأنه قد يتم التوصل إلى اتفاق بحلول مطلع العام المقبل.

ولدراسة الموضوع بشكل علمي كان لا بدَّ من التطرق إلى أبرز الأسباب التي دفعت السعوديَّة لتطبيع علاقتها مع إسرائيل وأبرز النتائج التي يمكن أن تحققها من ذلك.

الأسباب

منذ أن بدأت مجموعة من الدول العربية في عام 2020 بتطبيع علاقتها مع إسرائيل، كان واضحًا أن المحطة اللاحقة للتطبيع سوف تكون بين السعوديَّة وإسرائيل وذلك للأهمية التي تحظى بها السعوديَّة، والمستمدة من مكانتها الروحية عند المسلمين، وتأثيرها الكبير على مسار الأحداث  والقضايا الاقليمية، إضافة للأهمية الاقتصادية التي تحظى بها من خلال امتلاكها أكبر احتياطي وإنتاج عالمي من النفط. 

 وتعد الضغوط التي تمارسها واشنطن أحد الأسباب، التي دفعت مجموعة من الدول العربية لتطبيع علاقتها مع إسرائيل وربما تنظم السعوديَّة لاحقا لمثل هذا الاتفاق، اذ تشير الوقائع ان المحادثات التي تجري برعاية أمريكيَّة بين السعوديَّة وإسرائيل هي ضمن استراتيجية أمريكيَّة تهدف إلى انهاء المقاطعة العربية لإسرائيل، وكانت بدايتها من سلطنة عمان من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط عام 2018 وليشهد عام 2020 تطبيع الإمارات والسودان والبحرين والمغرب علاقتها مع إسرائيل.

ومن أسباب التطبيع ما ذكره ولي العهد السعودي والمتعلق بالتوصل إلى سلام ينهي الصراع العربي الإسرائيلي، لكنه لم يتطرق إلى حل الدولتين واكتفى بان السعوديَّة تريد ان تصل إلى مكان يسهل حياة الفلسطينيين، على الرغم من أن السعوديَّة تؤكد منذ أعوام عدة أن تطبيع علاقتها مع إسرائيل يتوقف على تطبيع حل الدولتين.

وأيضاً تسعى السعوديَّة للحصول على مكاسب اقتصادية كبيرة من خلال صفقة التطبيع على غرار ما حصلت عليها الإمارات والبحرين.

ويمثل التهديد الذي تشكله ايران للمنطقة من بين اهم الأسباب التي دفعت السعوديَّة لتطبيع علاقتها مع إسرائيل، سواء كان ذلك عبر تدخلها في المنطقة عن طريق دعم المجاميع المسلحة أو من خلال برنامجها النووي، التي ترى فيه السعوديَّة بانه يمثل تحديًّا كبيرًا للمنطقة والعالم، وأكدت السعوديَّة على لسان ولي العهد السعوديَّة ضمن اللقاء ذاته، ان امتلاك النظام الإيراني للسلاح النووي سوف يجعل السعوديَّة تتجه ايضا 

لامتلاكه.

وما يعزز ذلك الاحتمال ايضا ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال بوجود مقترح تعمل عليه إدارة بايدن بالتنسيق مع إسرائيل يقضي بامتلاك السعوديَّة لبرنامج نووي للأغراض السلمية.

وهناك سبب جوهري ايضا دفع السعوديَّة لإبرام اتفاق التطبيع، ألا وهو إبعاد الخطر الذي تشكله المجاميع المسلحة المرتبطة بإيران على السعوديَّة، من خلال الهجمات التي نفذتها الجماعات المرتبطة بإيران على الأراضي السعوديَّة باستخدام الطائرات المسيرة، وحسب وكالة رويترز ان السعوديَّة عازمة على التوصل إلى اتفاق أمني وعسكري يلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن السعوديَّة، وأن الاتفاق لن يكون على غرار مستوى الضمانات الدفاعية الصارمة في حلف شمال الاطلسي، لكنه سوف يكون مشابها باتفاقات سابقة عقدتها الولايات المتحدة مع دول آسيوية، أو أي يتفق تكون بموجبه السعوديَّة حليفا رئيسيا خارج حلف شمال الاطلسي مثل ما هي عليه إسرائيل اليوم.

لكن السعوديَّة لن تقبل بأي اتفاق لا يكون فيه ضمانات ملزمة للولايات المتحدة بتوفير الحماية لها عند تعرضها لهجمات، مثل التي تعرضت لها منشآتها النفطية في عام 2019.


النتائج

في البداية وعند دراسة النتائج التي حققتها الدول العربية، التي طبعت علاقتها مع إسرائيل في الآونة الأخيرة، فإن ما حققته كان لا يعدو عن أهداف هامشية، فمثلا في ما يخص المغرب فإن ما حققته من تطبيع علاقتها مع إسرائيل لم يتجاوز اعتراف الولايات المتحدة الأمريكيَّة وبعض الدول الغربية بسيادتها على الصحراء الغربية، وأما الدول العربية الأخرى فإنها خرجت بوعود أمريكيَّة بالتعهد بالحماية والتنسيق والتعاون العسكري والأمني.

لكن أثبتت التجربة السودانية زيف تلك الوعود، فلم تقم الولايات المتحدة أو إسرائيل بجهد حقيقي من اجل منع الاقتتال الداخلي وتعريض أمن وسلامة ووحدة السودان للخطر.

وفي ما يتعلق بمحاولة السعوديَّة ربط اتفاق التطبيع بحل القضية الفلسطينية فإن الحل لن يشمل حل الدولتين، وذلك لوجود عقبات تعيق الوصول إلى ذلك، اذ لا يرغب الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل بتقديم أي تنازلات، لا سيما ما يتعلق بالقدس، اذ يصر الفلسطينيون على أن يكون الجزء الشرقي من القدس عاصمة لهم، وفي حالة التوصل إلى أي اتفاق يتعلق بالوضع الفلسطيني فإن الشواهد التاريخية تشير إلى أن إسرائيل دائما ما تتنصل من أي اتفاق وقعته.

إن هدف السعوديَّة من جعل حل القضية الفلسطينية، يقترن بالتطبيع مع إسرائيل هو من أجل الخروج من الحرج، الذي تمثله تلك الخطوة، نظرا للمكانة الدينية للسعودية عند المسلمين، ويحمل ملكها لقب خادم الحرمين الشريفين.

وإن كانت القضية الفلسطينية حاضرة ضمن هذا الاتفاق، فإن النتائج ستكون هامشية وشبيهة لما توصل الطرفان العربي – الإسرائيلي طيلة العقود السابقة، وتحتل مطالب الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة مرتبة ثانوية ضمن هذه المحادثات.

وإن اصطدمت هذه المحادثات برفض فلسطيني أو إسرائيلي على اي صيغة تتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن السعوديَّة سوف تمضي بتطبيع علاقتها لأنها تهدف من وراء هذه الخطوة تعزيز أمنها وإبعاد الخطر، الذي تمثله إيران والجماعات المسلحة المرتبطة بها.