الاستقرار السياسي وعلاقاتنا الدولية

آراء 2019/05/08
...

واثق الجابري
 
نجح العراق أخيراً، في بناء علاقات متوازنة مع الدول الإقليمية والفاعلة في المنطقة، وأثبت أنه محور اعتدال ولا يميل لطرف على حساب آخر.. أو هكذا يحاول.. فهو بلد الاستقرار الإقليمي والاستثمار، لكن نجاحه الخارجي لا يمكن أن يتحقق، من دون الحاجة لعوامل آخرى، لتكون أرضية مناسبة لعلاقات مستدامة.
 تتركز طبيعة العلاقات السياسية، على أساس شراكات اقتصادية وصناعية وتجارية وأمنية، والعراق أرضيتها، وبقية الدول إمكانياتها وخبراتها.  تكاد تكون الخطوات التي اتخذتها الدول، ملزمة واقعياً، ولا يمكن لجهة داخلية  الاعتراض عليها، فمع مصر الاتفاق مع السيسي، وأيران المرشد الأعلى وروحاني، والسعودية الملك سلمان ومحمد بن سلمان، والملك عبدالله في الأردن، وترى هذه الدول أهمية للشراكة الاقتصادية والسياسية، وأن العراق شريك فاعل، ولا يمكنها الانتظار في ظل تسابق دولي على الساحة العراقية، ووجود فرص الاستثمار، التي تفتح أبواب العلاقة بين الطرفين، وإتخاذ موقف المتفرج مؤكد أنه سيملأ فراغه من الشريك.
الحكومة العراقية هي الآخرى، عرضت جملة استثمارات، ووقعت عدة اتفاقيات، لكنها مرهونة التطبيق والنجاح بعوامل داخلية متعددة، من أجل المضي وتنفيذ تعهداتها؛  وذلك بثلاثة عوامل رئيسة، هي الاستقرار والتشريعات ومحاربة الفساد.  ربما وصل العراق الى حالة من الاستقرار الأمني، الذي يتيح تشجيع الشركات على العمل في العراق، إلا أن الاستقرار السياسي هو الأهم، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان الى زعزعة الأمن، وذريعة لأفعال إرهابية، وأما ظاهر الخلافات السياسية، فأنها ستعطي انطباعا سيئا عن الدولة العراقية، في تناحر غير مسؤول، لا يهيئ أرضية مناسبة لثقة الشريك، ويظهر ضعف الدولة، وعدم الوثوق بشراكتها، في ظل مجمل التصريحات، التي توجه للدول المستثمرة، أو تهول واقع حدة الاختلافات السياسية، وتظهر العراق بأنه دولة منهارة، لا يمكن الاستثمار بها.
أما المعطل الآخر للاستثمار والشراكة الدولية، فهي  تلك القوانين التي تعرقل الاستثمار، وتخدل المشاريع في  بيروقراطية الروتين، وتفسح مجالا للفساد والابتزاز، وهي بحاجة لتشريعات تسمح بالاستثمار وبناء علاقات متوازنة مع الدول على أساس المصلحة المشتركة، ومصلحة العراق في الأولوية. بقى الفساد هو العامل المهم جداً وربما الأخطر، وربما يحول أموال المشاريع الى مافيات، تنظر عقود الشركات، وبذريعة الخبرة واليد العراقية، وتحويل العمل بيد شخصيات تعتمدها الشركات، وبالنتيجة لا فائدة من أيّ استثمار وشراكة دولية، وقد يسعى الفاسدون الى تعطيل أو ابتزاز الشركات الدولية.
 كل العوامل الثلاثة لها الأثر في استثمار العراق لفرصة تاريخية، في بيئة مستقرة مستثمرة جاذبة للمنافسة الدولية، ويبقى على الجهات المسؤولة والحكومة، تحديد طبيعة الخطاب السياسي، لخلق مناخ للاستقرار، ومنع التصريحات الشخصية، التي تزايد بقضية العراق، وسن مجموعة قوانين تسهل فرص الشراكة، وضرب الفساد بقوة ومنع مافياته من التدخل في طبيعة الشراكة الدولية، وأن يكون العراق دولة رصينة، لا يخرج منها تصريح إلاّ من الجهات المسؤولة عن رسم السياسة الخارجية، ومن لديه كلام، فليتحدث داخل غرف السياسة
فقط.