أحمد عبد الحسين
سورة الغضب والهياج التي ألمت بدولة الاحتلال هذين اليومين جرّاء عملية "طوفان الأقصى" وتحطّم أسطورة تفوّق "الجيش الذي لا يقهر"، ستكون لها تداعياتها التي بدأتْ بوادرها في القصف الإجراميّ الهستيري على المدنيين في غزة، وستمتد في الأغلب إلى خارج حدود فلسطين.
إسرائيل جُرحتْ في كبريائها، وهي مستعدّة لأي فعلٍ يعيد لها نحواً من كرامتها التي سُحلتْ على الهواء مباشرة. ولذا فلن تكون المنطقة كلها بمأمن من تداعيات هذا الجنون.
يعلم الجميع أنّ صراع القوى الدوليّة المستعر منذ الحرب في أوكرانيا يتفاقم ويغطي على كل شيء بحيث يصعب النظر إلى أزمة إقليمية ما بمعزل عن هذا التخندق الذي يجري العمل عليه بتسارع ملفت. فقبل أوكرانيا لم نكن نسمع بعبارة "الحرب العالمية الثالثة" إلا على لسان "هنري كيسنجر" الذي يكررها بمناسبة وبدونها، لكنها اليوم تقال على ألسنة كثيرين وبتلقائية كما لو كانتْ قَدَراً يسير إليه العالم بعينين مغمضتين.
الصراع العربي ـ الصهيونيّ أقدم الأزمات في العالم، وأشدها وضوحاً لجهة معرفة الظالم من المظلوم، وأكثرها لا عقلانية لأنّ دول العالم المتقدمة تكنولوجياً واقتصادياً تصطفّ مع القاتل ضد شعب يراد له أن يمحى ويحلّ محله شعب مستورد. وهو صراع لا يهدأ إلا ليتفجّر من جديد. لكنّ انفجاره هذه المرة أتى في ظلّ تسابق محموم لا لخلق شرق أوسط جديد وحسب، بل لرسم خارطة قوى جديدة في الكوكب كلّه.
إقليمنا يحبس أنفاسه بانتظار ما سيأتي. والحراك السياسيّ بين دول المنطقة الفاعلة "العراق ومصر وإيران والسعودية" يكشف عن ذلك. فالاتصالات المتبادلة بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وكلّ من ملك الأردن ورئيس مصر، وزيارة وزير الخارجية السعودي أمس لبغداد، دلائل على أنّ عملاً مشتركاً يجري الآن لتلافي التداعيات المرتقبة أو للتقليل من فداحتها على أقل تقدير.
وتأتي في هذه الأثناء الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء إلى موسكو "وهي زيارة معدّ لها قبل الأزمة الأخيرة" فرصة لنقل الهمّ الإقليمي إلى الروس الذين هم ليسوا بعيدين عما يجري في منطقتنا بل هم فاعلون ومؤثرون في كل أحداثها السابقة والحاضرة واللاحقة.
قد تكون الانتكاسة التي ألمّتْ بدولة الاحتلال سبباً في جعل غضبها مناسبة لإعادة فرض رؤيتها الخاصة للمنطقة، لكنّ دول المنطقة، وفي مقدمتها العراق، لن تكون راضخة لهذه الرؤية، خاصة أنّ ترسيمة القوى الدولية اليوم لم يعد فيها سيّد أوحد ولا نظام عالميّ ينظر بعين واحدة.