نوزاد حسن
قبل أيام حضرت جلسة حواريَّة في بيت الحكمة عن الترجمة الإبداعية, وكان الضيف المحاضر فيها هو الدكتور المترجم المعروف بسام البزاز الذي تحدث عن قضايا تخص الترجمة. وما لفت انتباهي في حديث الدكتور البزاز هو رغبته القوية في إقناعنا أن الترجمة هي قبل كل شيء عمل كأي عمل آخر, وضرب مثلًا على ذلك بمطعم يقدم للزبائن طعاما رديئا. هذا يعني أن الترجمة قد تكون رديئة، إن كان المترجم يبحث عن الربح المادي والمنفعة الشخصية. وهذا في رأي الدكتور افقاضل خيانة كبيرة, وغش لا يغتفر.
وأنا استمع لتلك الجلسة بكل ما عرض فيها تبادر إلى ذهني احساس غريب جدا اشعلته في داخلي قوة نبرة صوت الدكتور البزاز, فقد وجدت أن حياتنا، التي نعيشها تفتقد إلى قانون أخلاقي عميق جدا، لم يعد يسيطر على سلوكياتنا, وتصرفاتنا.
ما هو هذا القانون الأخلاقي، الذي غاب عن وجودنا فصرنا نحس بغربة وقلق لا نعرف كيف نعالجهما؟.
الجواب في كلمة واحدة هو: الصدق.
هذا هو القانون الذي نحن في حاجة إليه. أن نكون صادقين في ترجمة كتاب, وفي تقديم المساعدة لشخص ما, وألّا نخوّن الآخرين, وألّا نستغل المنصب, ولا نسرق, ولا نقف مكتوفي الأيدي أمام الفساد. الصدق هذا كله وغيره ايضا من المواقف.
اذا انقلبت الصورة, وحدثت كل تلك الأشياء، فهنا ستتحول الحياة إلى غابة حقيقية.
الصدق قانون, والجاذبية قانون. تخيلوا معي شخصا عنده القدرة، ثم يقوم هذا الشخص من خلال جهاز يملكه بتعطيل قانون الجاذبية. ماذا سيحدث لنا. سنتطاير في هذا الفضاء, وستتطاير أمتعتنا وكل ما نملك.عندها كيف ستكون حياتنا جحيما. إن وجد شخص يفعل هذا الأمر، ويعطل قانون الجاذبية، فهل سنسمح له بفعل هذا الشيء. أظن أننا سنقف جميعا في وجهه, ولا نتركه يقوم بعمله، لأنه سيلحق الضرر بالكوكب كله.
هذه الصورة, صورة الارض وقد عطل قانون جاذبيتها شخص فاسد تنطبق كليا على حياتنا، حين قامت مجموعة من الفاسدين بتعطيل قانون الصدق فعملت ما تشاء. لو اعتقدنا أن الصدق قانون، فهذا يعني أن انتهاكه جريمة تتعلق بالجميع.
وان جميع الفاسدين اللا أخلاقيين هم جبناء. ولا يجوز تركهم بلا مواجهة. في تلك الجلسة تعلمت درسا مهما له نكهة أمريكا اللاتينية الفنية: تعلمت أن اقوى الرجال وأكثرهم عذابا هم الصادقون في حياتهم.