السرُّ الغامضُ لحقيبة اليد

بانوراما 2023/10/11
...

  كيري سوليفان

  ترجمة: فجر محمد


أحد الرموز الاكثر غموضا التي تم العثور عليها في منحوتات من العالم القديم، هي صورة تبدو بشكل غريب مشابهة لحقيبة اليد الحديثة. وتظهر في صور السومريين جنوب العراق، وفي أنقاض المعابد التركية، وزخارف الماوري في نيوزيلندا، وكذلك ضمن الحرف اليدوية التي صنعها الأولمك في أميركا الوسطى. ويمكن رؤية حقائب اليد مع فن الثقافات المختلفة على مر الزمن. وايضا مع ظهور أول حقيبة يد معروفة نهاية العصر الجليدي. يصعب تجنب هذا الشكل بمجرد الاشارة إليه، كما أن انتشاره في كل مكان يثير أسئلة جميلة جدا حول أهميته والغرض منه في العالم القديم.

من الصعب إنكار أن حقائب اليد المفترضة هذه تبدو مشابهة بشكل مدهش للمحفظة الحديثة والمعاصرة. في مدينة سكرانتون البنسلفانية  فإن الأشياء التي تم تصويرها في الفن القديم «تتميز عادةً بقمة مستديرة تشبه المقبض وقاع مستطيل، وقد تتضمن درجات متفاوتة من التفاصيل الإضافية للنسيج أو النمط». تظهر صور هذه الحقائب أحيانًا بأشكال مستقلة؛ وأحيانا يتم تصويرها في يد شخص، أو إله، أو كائن أسطوري بطريقة مشابهة لكيفية حمل السلة.

إحدى النظريات المحتملة لانتشار هذه الصورة هي أنها تمثيل بسيط ومباشر للكون. ويمثل نصف الدائرة في الصورة، الذي يبدو أنه حزام الحقيبة، نصف الكرة الأرضية للسماء، في حين تمثل الارض القاعدة المربعة الصلبة.


أقدم الأوصاف

يمكن رؤية واحدة من أقدم الأمثلة على شكل حقيبة اليد في أنقاض «غوبيكلي تبه»، الواقعة على قمة سلسلة جبلية في جنوب شرق تركيا (وهو موقع جبلي مقدس يضم أقدم المنشآت المعمارية للبشرية، ويعود إلى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار بحدود تسعة آلاف سنة قبل الميلاد- المترجمة). ويعود تاريخ المعبد إلى نحو 11 ألف سنة قبل الميلاد، وهو أيضا أحد أقدم مجمعات المعابد المكتشفة على الإطلاق. وعلى ما يبدو ربما كان بمثابة موقع للأضاحي الدينية حيث اكتشف علماء الآثار العديد من عظام الحيوانات المذبوحة.

وتبدو الجدران وأعمدة المعبد في غوبيكلي تبه مزينة بصور حيوانات وآلهة ومخلوقات أسطورية منحوتة بدقة، ربما كمحاولة لتصوير إبداعات الكون العديدة والمختلفة. وكانت هناك ثلاث حقائب يد تقع بين هذه التشكيلة من المنحوتات من عصر آخر، مضيفا طبقة إضافية من الغموض والإثارة إلى جدران وأعمدة الحرم القديم المزخرفة بشكل انيق جدا ومترف.

ويعتقد الخبراء أن الديانات الأولى كانت تعبد العناصر الأساسية للحياة على الأرض.

ويمكن القول إن حقائب اليد الثلاث  في غوبيكلي تبه، التي تم اعتبارها شكلا مبكرا من تلك الأيقونات، هي من ساهمت بتحديد هذه الموقع رمزيا بمثابة معبد.

يمكن العثور على منحوتات حقائب اليد من الشرق الأوسط إلى أميركا الجنوبية، وفي مكان آخر، تظهر صورة حقيبة اليد مع أوجه تشابه مذهلة في نقشين حجريين، أحدهما صنعه الآشوريون شمال العراق القديم حوالي سنة 880  قبل الميلاد، والآخر صنعه الأولمك في أميركا الوسطى القديمة ما بين سنوات 1200 و400 قبل الميلاد. وفي كلا الصورتين، يظهر رجل يحمل حقيبة يد، كما لو كانت سلة أو حافظة ما.

عندما استخدمت الحقيبة في الفن الاشوري قيل عنها إنها محفظة تحتوي على غبار سحري. فيما يفترض فن الاولمك النيوزلندي، أنها تضم أعشابا سحرية بحسب مقالة نشرها موقع (نواساجا).

يشير هذا إلى أن حقائب اليد ربما كانت أنموذجا للقياس تم اكتشافه بشكل فريد في كلتا الثقافتين.


محتويات الحقيبة

في نيوزيلندا البعيدة، يظهر مثال آخر مثير للاهتمام متمثلا بصور لحقائب اليد ضمن السياق الثقافي لشعب الماوري. ووفقا لأساطيرهم، فقد قام بطل ما برحلة رائعة إلى مسكن الآلهة، حيث اكتسب حكمة عميقة. وعند عودته إلى الأرض، قيل إن هذه الشخصية البطولية كانت تحمل ثلاث سلال مملوءة بالمعرفة الإلهية.

تحمل «حقائب اليد» الماوري هذه تشابها قويا جدا مع مصنوعات غوبيكلي تبه، وكلاهما يرمزان إلى شعور عميق بالتبجيل والامتنان للحكمة والرؤى التي يُعتقد أن القوى العليا هي من تمنحها. لا تعمل هذه الصور كتمثيل ملموس للروايات القديمة وحسب، بل تسلط الضوء أيضا على الميل الإنساني العالمي للاحتفاء بهدايا الإلهام السماوي والحفاظ عليها. كما يكشف الفن المصري القديم صورًا مثيرة للاهتمام تشبه حقيبة اليد ضمن الكتابة الهيروغليفية. وفي هذه الصور، تعد حقيبة اليد بمثابة مسكن إلهي لجميع الالهة. ويرمز إلى أحزمة المحفظة بالأعمدة المقببة للخيام المحمولة، بينما يمثل القاع المربع القماش أو جلود الحيوانات الملفوفة عبر هذه الأعمدة. ومن اللافت للنظر أن هذا التشابه في هيكل الحقيبة يرسم أوجه تشابه مع التصاميم المعمارية القديمة الأخرى، مثل الخيمة الأميركية الأصلية وخيم الرعاة في آسيا الوسطى، مما يؤكد عالمية هذا الرمز عبر الثقافات والعصور المتنوعة. يشير التكرار في صور المنحوتات العديدة لرمز حقيبة اليد إلى دورها بصفتها تمثيلا كونيا مبطنا ضمن المظهر العادي لشيء موجود في المنزل ويستخدم دائما، وتحديدا تلك السلّة. ويهدف هذا النهج الدقيق إلى تسهيل الفهم بين عامة الناس، وسد الفجوة بشكل فعال بين المفاهيم الكونية العميقة والتجارب اليومية للناس العاديين.

عن موقع انشينت اورجنز