ستيفاني يانغ
ترجمة: بهاء سلمان
لعقود من الزمن، كان تخصص هذه المدينة الجبلية الخصبة هو زراعة الأرز وفول الصويا الأسود والساتيمو، وهو جذر القلقاس الذي يظهر على نطاق واسع في المطبخ الياباني، ويعتبر بمثابة الشعار الرسمي للمدينة. لكن الزوار يتدفقون على بلدة ناغي من جميع أنحاء اليابان وحتى من بلدان أخرى هذه الأيام بدافع من التبجيل، وربما لمسة من الحسد، لنجاحها المذهل في زيادة ولادة الأطفال.
تعاني اليابان بشكل مزمن من انخفاض قياسي لمعدلات الولادة وتناقص عدد السكان، لكن بلدة ناغي أصبحت تعرف بأنها «البلدة المعجزة»، حيث إن نصف الأسر تقريبا لديها ثلاثة أطفال أو أكثر. تتبادل الأمهات الأحاديث هنا على مهل بينما تدوي ضحكات أطفالهن عبر الحقول، ويتجاهلن التذمر الرسمي بشأن ندرة الشباب. تقول «ساتشي جينبا»، 42 عاما، التي نشأت في مدينة تسوياما المجاورة ولديها طفلان: «لا أستطيع أن أشعر حقا بمشكلة معدلات الولادة، فالعديد من الأمهات هنا لديهن أربعة أطفال».
تمتاز بلدة ناغي بمعدل خصوبة لدرجة حازت إعجاب الحكومة بارتفاعه منذ العام 2019 إلى نسبة ثلاثة بالمئة تقريبا، كمتوسط لعدد الأطفال الذين تنجبهم نساء البلدة. بينما انخفض معدل الخصوبة الوطني إلى أكثر من واحد بالمئة بقليل في العام الماضي، وهو أقل بكثير من نسبة اثنين بالمئة الذي يقدر خبراء الديموغرافيا أنه ضروري لضمان استقرار عدد السكان.
ويعني انخفاض عدد الأطفال تقلصا مستمرا للقوى العاملة التي لن تكون قادرة على دعم كبار السن في البلاد مع نمو أعدادهم. وحذر رئيس الوزراء «فوميو كيشيدا» من أن اليابان أصبحت بالفعل على حافة عدم القدرة على الحفاظ على نظام الضمان الاجتماعي فيها، قائلا: «إما نتحرّك الآن، أو لن نتحرك أبدا عندما يتعلق الأمر بسياسة الولادات وتربية الأطفال، لأنها قضية لا يمكنها ببساطة الانتظار لفترة أطول.» وقد زار كيشيدا بلدة ناغي البالغ عدد سكانها 5700 نسمة، والتقى الآباء والمسؤولين فيها.
مقارنة خارجيَّة
ونظمت البلدة جدول زيارات لأكثر من مئة وفد برلماني وحكومي من بقية مناطق اليابان، بحسب «تاكاماسا ماتسوشيتا»، مدير تخطيط المعلومات في البلدة. كما زارها العديد من المسؤولين الكوريين الجنوبيين، وسط قلق متزايد من انخفاض معدل ولادت كوريا إلى نسبة أقل من واحد بالمئة، وهي الأدنى عالميا.
في الولايات المتحدة، وصل معدل الخصوبة إلى مستوى قياسي منخفض أقل من نسبة اثنين بالمئة منذ سنة 2020. كما سجّلت الصين مؤخرا أول إنخفاض لعدد سكانها منذ ستة عقود، وهي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان عالميا قبل أن تتجازها الهند مؤخرا.
وقال عمدة البلدة «ماساتشيكا أوكو» إن تحدي ناغي لهذه الاتجاهات ينبع جزئيا من مفترق الطرق الوجودي الخاص بها قبل عقدين من الزمن؛ ففي العام 2002، أجرت المدينة استفتاء حول ما إذا كان سيتم دمجها مع المدن المجاورة الأخرى، وهي مبادرة شجعتها الحكومة لتنظيم العمليات الإدارية.
وصوّت سكان البلدة ضد هذا الاقتراح. لكن اختيار البقاء بمفردها معناه أن ناغي اضطرّت لتخصيص المزيد من الموارد لرعاية سكانها، الذين كان عددهم آنذاك حوالي 6500 نسمة، بحسب أوكو، 64 عاما، المسؤول المحلي السابق.
قامت الحكومة بتخفيض التمويل المخصص للسلامة المرورية والإصلاح الإداري وبعض أنشطة الصحة واللياقة البدنية مقابل زيادة تخصيصات مساعدة الأسر. وفي عام 2004، بدأت ناغي تقديم الخدمات الطبية المجانية للأطفال لغاية وصولهم لمرحلة الدراسة الإعدادية، وبدأت بدفع مبلغ مئة ألف ين للآباء، ثم نحو ألف دولار، عن كل طفل يولد بعد الطفل الثاني لأي عائلة. يقول أوكو: «لقد مر الناس بتغيّر عقلي كبير عندما اختاروا عدم الاندماج مع البلديات الأخرى، لأنه كان علينا أن نديم بقاءنا كبلدة واحدة.»
وقد توسّعت تلك السياسات الصديقة للأسرة منذ ذلك الحين، وصارت الرعاية الطبية مجانية للفتيان خلال مرحلة الدراسة الثانوية، كما يبدأ حافز الـمئة ألف ين مع الطفل الأول وليس الثالث. وأضافت المدينة سياسات أخرى لتشجيع الأسر على إنجاب الأطفال، مثل دعم رعاية الأطفال وتكاليف التعليم وعلاجات العقم.
وإلى جانب التوفير الناتج عن خفض النفقات الإدارية، يقول المسؤولون المحليون إن ميزانيتهم محمية بملايين الدولارات من القروض المقدمة من الحكومة، والهادفة إلى مساعدة المناطق المنخفضة السكان. وتوفر القاعدة العسكرية القريبة من المدينة، إعانات مالية تساعد في تسهيل معيشة السكان.
تستقبل المدينة جولات زيارة مستمرة، وتكلف نحو سبعين دولارا لكل مجموعة، وسبعة دولارات إضافية للشخص الواحد، ويعزو المسؤولون المحليون معدل الخصوبة المرتفع في ناغي إلى المساعدات المالية والمبادرات المجتمعية التي تقدّم الدعم للآباء.
انتقالة موفقة
في مبنى مخصص لرعاية الأطفال، تحدثت «جينبا»، وهي أم لطفلين، مع أمّهات أخريات أثناء إرضاع أطفالهن الصغار ومشاهدتهم وهم يلعبون. وعلى الجانب الآخر من الشارع، كان الأطفال الصغار يركضون ويعلو صخب أصواتهم حول ملعب مدرستهم.
انتقلت جينبا إلى ناغي منذ ثماني سنوات مع ابنتها البالغة من العمر شهرين وزوجها، الذي يعمل في المنطقة الصناعية المحلية.
وكانت تشعر بالإرهاق بسبب الولادة، ولم يكن لديها من تلجأ إليه بسبب المخاوف التي أصابتها كأم جديدة.
وبعد بضعة أشهر، تلقت منشورا إعلانيا عن لقاء تقيمه «دار أطفال ناغي»، حيث يمكن للوالدين الالتقاء واللعب مع أطفالهم، والحصول على رعاية مؤقتة للأطفال مقابل دولارين في الساعة تقريبا.
وتعلّمت مع عشرات الأمهات الأخريات كيفية رعاية طفلتها، واغتنمت الفرصة لطرح سؤال كان يثقل كاهلها: هل تشرب ابنتها ما يكفي من الحليب؟
طمأنها الموجودون بأن طفلتها تبدو بصحة جيدة، وأنه لا توجد كمية محددة ينبغي الالتزام بها. تقول جينبا، التي تعمل الآن في دار أطفال ناغي بدوام جزئي: «فكرت بأنني ليس من الضروري أن أكون صارمة للغاية، يمكنني الاسترخاء قليلا، وهذا الوضع منحني راحة البال.»
في نيسان الماضي، أنشأت الحكومة اليابانية هيئة لإدارة الأطفال والعائلات، بميزانية سنوية تبلغ 34 مليار دولار، لتحفيز إنجاب الأطفال، ضمن مسعى لتعزيز أفكار إنجاب الاطفال ورعايتهم.
صحيفة لوس انجليس تايمز الاميركية