محمد شريف أبو ميسم
في مقر عملنا، وقبل نحو عشر سنوات، دخلت حسناء فارعة الطول مليحة القد بابتسامة وتحية صباحية، وأخبرتنا أنها تحمل شهادة تقديريَّة ودرع تكريم من منظمتها (التي لم نسمع بها من قبل) لرئيس المؤسسة التي نعمل بها، بوصفه رجلًا مميزا، وأصرّت على مقابلته، لم تكن تعلم أن صلاحيته في الصرف لا تتجاوز 75 ألف دينار فقط في حينها، وبعد اللقاء تم التقاط الصور التذكارية، وعند مغادرتها مقر مؤسستنا عبرت عن عدم رضاها على مبلغ المكافأة، الذي قدم لها بمغلف مفتوح لأن قيمة درع التكريم لوحده كانت 25 ألف دينار على حد قولها.
كان رئيس المؤسسة (في ذلك الوقت الذي يتأرجح في الذاكرة بين العام 2012 والعام 2013) مسرورا بلقاء تلك الحسناء، التي أصرت على تسجيل رقم هاتفه الشخصي ومسرور بما قدمته له، وطالب بتوثيق الصور ونشرها، وكان له ذلك قبل أن تكون الجوائز والشهادات التقديريَّة مقرونة بالمهرجانات كما في هذه الأيام.
وللأمانة لم تستفد البلاد من ذلك الشخص الذي حصل على هذه الشهادة التقديريَّة العظيمة، سوى أنه كرس كل ألوان الفساد في تلك المؤسسة قبل أن يهرب من وجه العدالة ويتم الحكم عليه غيابيا بقضايا فساد عدة.
وسوس لي الشيطان اني رأيت تلك الحسناء عبر وسائل الاعلام بين جموع القائمين على مهرجان من المهرجانات، التي تكثر هذه الأيام وتوزع فيها الدروع والشهادات وتلتقط فيها الصور، ويكثر فيها المدعون، الذين ليس لهم نتاج سوى الضجيج على مواقع التواصل، حتى أصبت بلوثة فأراها عبر وسائل الاعلام تارة ومواقع التواصل الاجتماعي تارة أخرى، وفي كل ضجيج ناجم عن مهرجان من المهرجانات السنوية في الفنون والأجناس الأدبية ومهرجانات الأزياء، وكأنها لازمة من لوازم حضور المدعين المهووسين بالتقاط الصور مع المشاهير، الذين لا نعرفهم، والمغنيات اللواتي لم نسمعهن، والفنانين الذين يظهرون فجأة دون أي منجز، والبلوكرات اللواتي لا نعرف ماهي وظيفتهن، والغلمان بوصفهم رموزا رغما عنا.
في هذه الأثناء قررت أن أجيب على سؤال مفاده «كيف يمكن أن نقود متغيرا بهذا الشكل ولا نعطيه الفرصة ليقودنا؟» وجلست أبحث في ما قرأته في الأدب والفلسفة وعلوم الاقتصاد والعلوم التطبيقية، ولم أصل إلى إجابة، سوى أن ثمة متغيرا يشبه العجاجة السوداء، ليس له حل سوى زراعة المصدات ورعايتها برغم صعوبة المهمة، وأول هذه المصدات العمل بأدوات دعات المهرجات والجوائز والشهادات التقديريَّة بجهابذة الفكر والفن والأدب والاقتصاد وعلوم النفس والاجتماع والعلوم التطبيقية، وبمقترح من الجهات ذات العلاقة لتأسيس مجلس أعلى للمهرجانات ومنح الجوائز، يمنع إقامة المهرجانات ومنح الجوائز إلا باذنه، ويضع حدًا لهذه العجاجة التي أدت إلى انعدام الرؤية.