أزمة بناء الدولة.. الشرعيَّة والمشروعيَّة

آراء 2023/10/15
...






 علي فائز 


 ترتبط هذه الأزمة  بشرعية القبول والرضا بين الحاكم والمحكوم، كما إنها تتضمن الاتفاق حول مشروعية السلطة القائمة والمسؤوليات الخاصة بالحكم، لذلك فان حلحلة هذه الأزمة  يفضي إلى بناء الامة.

يذهب (ماك إيفر) بأن «الشرعيَّة تتحقق عندما تكون قناعة النخب الحاكمة لنفسها مصحوبة بتقدير أغلب أفراد المجتمع لها، وفي توافق مع القيم والمصالح الأساسية للمجتمع، وبما يحفظ له تماسكه واستقراره»

وتقترب مع هذه الرؤية رؤية (ماكس فيبر) والذي يرى انَّ النظام السياسي يكسب شرعيته عندما يشعر المواطنون، إنه نظام صالح وتجب طاعته، والمواطنون هنا هم من يضفون الشرعيَّة على نظام الحكم.

وهناك من يرى أنَّ أزمة الشرعيَّة هي فكرة سياسية وسبب ذلك لكونها تتعلق بالسلطة وطريقة ممارستها، فهي عبارة عن معتقد ناشئ عن إيمان غالبية المجتمع بأن السلطة يجب أن تمارس وفق سياق محدود للحيلولة دون فقدان مبرراتها.

 ويفهم مما سبق أن الشرعيَّة مكتسبة؛ وذلك لكونها لا تتم إلا بعد موافقة الغالبية العظمى من الشعب، والذي تنازل أمام القانون الذي يطبق عن طريقها، بمعنى أنَّ رفض المجتمع واحتجاجه على سلوكيات النظام وقراراته وطريقة ادارته للسلطة، يمثل تصدعًا لشرعيته أو فقدانها، مما يؤشر إلى وجود خلل بنيوي بحاجة إلى الإصلاح والتغيي، فصحيح أنَّ الشرعيَّة تحقق الانسجام وتؤثر بشكل إيجابي في الدور السياسي للنظام الحاكم وتحقق الاستقرار وازدياد إنتاجه المؤسسات لخدمة المجتمع، فإن تصدعها أو تشوهها أو انحرافها والذي يتمثل برفض الناس، له تبعات سلبية تنذر بهشاشة النظام 

وإنهياره.

أما المشروعيَّة فيمثل مظلتها القانون، فهو الأساس الذي يجعل أمرًا من الأمور مشروعًا ويعبر عنها، التزام السلطة بالنظام القانوني للدولة، أي أنّ السيادة تكون للقانون الذي يخضع اليه الجميع.

 فاذا كانت السلطة تكتسب شرعيتها، إذا حققت الصفات التي تتماشى أو تتطابق مع الأفكار السائدة عند الشعب، فإن المشروعيَّة تتحقق إذا كانت السلطة خاضعة للقانون الوضعي.

 ويحدد الدكتور (سعد الدين إبراهيم) شروط الشرعيَّة: فالأول: قبول المحكومين وقناعتهم وليس إذعانهم ويمثل هذا جوهر الشرعيَّة، والشرط الثاني: هو أن الشرعيَّة لا تستلزم القبول الأبدي لأنها ليست مكسبًا نهائيًا، بل هي ذات طبيعة تطورية ومستقبلية تتطور باستمرار وعلى الحاكم صيانتها دومًا وإلا سقطت.

 وتعبر أزمة الشرعيَّة في المجتمعات الانتقالية عن غياب القوة السياسية، والتي تمكن النظام من السيطرة وممارسة السلطة بطريقة مشروعة، فمسالة بناء الدولة ومواجهة الازمات هي مسألة بِنيوية تتعلق ببناء الأمة والذي بدوره يتعلق بالثقافة السياسية.

 ويعزز هذه الرؤية ما ذهب اليه (لوسيان باي) الذي يرى «أنَّ أزمة الشرعيَّة تتجلى بصورة واضحة بالثقافة السياسية، إذ لا تكتفي عملية إقامة البنى الجديدة، وإنما يجب أن تكون معقولة ومأخوذ بها، وعليه لا بد أن تسعى الدولة المنشأة حديثًا إلى أن تحول الانتماءات المحليَّة  الضيقة وخلق وعي وطني يربط الفرد بهيئة اجتماعية اكبر. 

وهناك من يرى أن ازمة الشرعيَّة تنشأ في الدول النامية؛ نتيجة لأن سلوكيات الافراد غالبًا ما تطمح للمشاركة السياسية بصرف النظر عن شكل هذه المشاركة، وطريقة تعامل السلطة مع طموحاتهم ومطالبهم، هو الذي ينشئ هذه الأزمة  وربما يعمقها ويكشف هشاشة النظام، خصوصًا عندما تعد السلطة هذه المطالب غير شرعية. 

وعلى ضوء ما سبق يرى الدكتور (عبد الإله بلقزيز)، أن الدولة لا يمكن أن تتحصلَ شرعيتها عن طريق السيطرة (Domination) وانما ايضًا من خلال علاقة الهيمنة (Hegemony)، فغن أدوات القمع المادي قد تمكن الدولة من إجبار المجتمع على التسليم بسلطانها السياسي، لكنها في الوقت عينه تصطدم بجدار الممانعة النفسية، لفقدانها مبررات الشرعيَّة، بعد أن آمن الناس بها نتيجة للإخضاع والقهر، فشرعية الدولة تكسب شرعيتها عن طريق هجر استراتيجية الاخضاع والانتقال إلى ستراتيجية الاقناع والانجاز والادماج.

 فقوة الدولة الحقيقية التي تجعل المواطنين جديرين باحترامها وكسب شرعيتها من خلالهم، لا ترتبط بالقوة المادية التي تعكس ما تعانيه من عجز، بل من خلال القوة الاقتصادية والخدمة والرعائية والأخلاقية والانجازية، فمن خلال ذلك تحقق الدولة الاستقرار وتضمن الامن الاجتماعي، كما يقول المثل الإيطالي: “على الوطن أن يقدم لنا ما يجعلنا نحبه”.