{عائد الى حيفا} التاريخ يعيد نفسه

ثقافة 2023/10/16
...

علي حمود الحسن

في هذه الأيام العجاف، وعلى اثر تداعيات ما يحدث في غزة وظلال قيامتها الحزينة، أعدت مشاهدة فيلم "عائد إلى حيفا" للمخرج قاسم حول (1982)، وتذكرت كيف هاتفني حول قبل أشهر، ليخبرني بأن فيلمه المقتبس عن رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"(1969)، قد تم ترميمه في ستوديوهات الحزب الشيوعي الإيطالي السينمائية، بمبادرة من صديقته السينمائية الايطالية مونيكا ماورر، وقدموه هدية لحول؛ تقديرا لتوثيقه الثورة الفلسطينية، وبذا صار الفيلم بنسخته الرقمية الجديدة متاحا للعرض على منصات وشاشات سينمات بلدان وجامعات اجنبية وعربية.
الفيلم الذي أفلمه وكتب السيناريو له قاسم حول، ومنتجه الفنان العراقي قيس الزبيدي، وألف موسيقاه زياد رحباني، تدور أحداثه حول قصة أسرة فلسطينية هجرت من ارضها في العام 1948 وتركت طفلًا صغيرًا رغما عنها، يعود الزوجان إلى البيت ذاته بعد عشرين عاما، ليجدا أن اسرة بولندية حصلت على البيت وتبنت الطفل خلدون وأسمته دوف.. ترحب بهما، وتخبرهما أن ابنهما الآن شاب والخيار له في أن يبقى يهوديا في الحاضنة، التي ربته أو يعود اليهما، يلتقيان ابنهما دوف (جمال سليمان) بملابس الجيش الإسرائيلي، يحاول الشاب مصافحة أبيه (بول مطر)، لكن الأب يسحب يده، ليحتدم حوارا بين المجموعة الأم (حنان الحاج علي)، والسيدة البولندية  (كرستينا شيرن) والأب وابنه، محوره الابن ومصيره والبيت ومآله,  يقول الأب للسيدة البولندية "نحن لا نريد إخراجك من البيت، هذه المسألة تحتاج إلى نضال".. يشعرون بأنهم فقدوا خلدون، بينما يلتحق الابن الأصغر خالد (عصام سلمون) بالفدائيين، وبذا أعطى حول وقبله كنفاني أملًا في العودة واسترجاع ما اغتصب.
 قال لي حول وهو يسرد مغامرته الكبرى، يومذاك كان الإنتاج السينمائي الفلسطيني محض أفلام وثائقية تعبوية ودعائية، بعد أن أقنع أصحاب القرار في الجبهة الشعبية، لا سيما أن لسانهم المفوه غسان كنفاني استشهد بتفجير غاشم قبل إنتاج الفيلم، وافقت الجبهة على منحه 20 الف دولار، و"بحسبة صغيرة" هذا المبلغ يكفي رواتب صناع الفيلم، أو شراء الفيلم الخام، فضلا عن تكاليف التصوير الجوي والبحري، وآلاف الكومبارس مع أزيائهم، وكاد المشروع يخفق، لكن حول ذهب إلى أحد المخيمات الفلسطينية الذين تعاونوا معه، وتم التصوير في لبنان وسوريا رغم ظلال الحرب الأهلية، وشراسة سلاح الجو الإسرائيلي، وتنازل الصيادون الشيوعيون عن عمل يوم واحد، وتفرغوا لتنفيذ المشهد الرئيسي للفيلم، حيث يتم التهجير من خلال القوارب، وتنازل زياد رحباني عن اجوره، واستقدموا الممثلة كرستينيا شيرن من المانيا الشرقية بلا أجور، لتمثل دور الأم البولندية التي سكنت الدار، لكن المخرج بعد أن سيطر على ميزانيته، كلّف صبايا المخيم الماهرات بحياكة ثوب فولكلوري جميل لكرستينيا، واعطاها 10 آلاف دولار اجرا، وكرموها بحفلة بهيجة، فودعتهم بدموع الفرح.