بين أكتوبرين

آراء 2023/10/16
...

حمزة مصطفى

الفرق بين الأكتوبرين «تشرين الأول 1973 وتشرين الأول 2023)، خمسون عاما ويوما واحدا. لنترك النصف قرن الفاصلة بين الزمنين ونركز على اليوم الواحد، الذي اختزل النصف قرن حيث «الحرب خدعة» في كلا الزمنين. جميع أبناء جيلي عاشوا وقائع تلك الحرب، التي كانت خدعة استخبارية من الطراز الأول عندما لم «تصدق» إسرائيل حتى ما وصلها من معلومات وتسريبات بشأن نية الرئيس المصري أنور السادات شن الحرب عليها في يوم الغفران. حصلت الحرب وحصل الانتصار الذي صادره الثنائي نيكسون ـ كيسنجر، فكان ما كان على صعيد ما سمي وقتها «فكر التسوية»، الذي مرت من خلاله مراحل التطبيع مع العدو الصهيوني من جهة، وجبهات الصمود والتصدي وصولا إلى محاور المقاومة من جهة أخرى. حاسب الإسرائيلون أنفسهم بشدة. ومن يقرأ كتاب «التقصير»، الذي صدر بعد تلك الجرب بإشراف مباشر من قبل غولدا مائير يلاحظ بوضوح كيف كانت المحاسبة. بعد 50 عاما كرر العرب ممثلين الآن بغزة نفس المفاجاة أو لنقل الخدعة وتكرر بالنسبة للإسرائيليين نفس القصور والتقصير والمخادعة الستراتيجية، التي أطاحت بكل ما كانوا يتبجحون به استخباريا.
لكن لابد للحرب, اية حرب, حتى لو تحققت فيها المفاجأة (الخدعة) من صفحة ثانية، وهي مسار تلك الحرب. هنا يتعين الخروج من الجو العاطفي المحيط بما يمكن أن يترتب على الحرب من خسائر كبيرة، لا سيما في الأرواح وإعادة قراءة الوقائع والأحداث واقعيا وعقلانيا. الجو العاطفي يفرز العديد من الأسئلة مثل أين العرب؟ أين الجامعة العربية؟ أين الفلسطينون الآخرون؟ أين المسلمون؟ أين الضمير الإنساني؟ إسئلة تكررت وسوف تبقى تتكرر طالما يصعب الخروج من الجو العاطفي، الذي لايتيح قراءة واقعية للحرب في مختلف صفحاتها.
 يعرف الجميع أن حرب اكتوبر بصرف النظر عن المفاجأة ـ الخدعة، هي التي أدخلت القضية المركزية مثلما يسميها الخطاب العربي مرحلة التسويات السياسية وصولا إلى التطبيع الكامل وشبه الكامل والبين بين. حيال ذلك تكرس الانقسام الفلسطيني العربي الإسلامي. ترتب على ذلك الانقسام تعدد الجبهات.. جبهة التسويات التي بدات من مصر «كامب ديفيد»، وصولا إلى مدريد سرا ثم أوسلو علنا، وما تبعها من اتفاقيات شملت الفلسطينيين أنفسهم. وهناك جبهة الصمود والتصدي التي انتهت بلا صمود ولا تصد, وجبهة المقاومة التي رميت الآن كل الكرات في ملعب أطرافها. نتيجة لكل ذلك لم يتكرس الانقسام العربي ـ العربي الفلسطيني الفلسطيي ـ الإسلامي ـ الإسلامي فقط, بل تعمق إلى درجة الانقسام.
في ظل هذه الأوضاع جاءت مفاجأة غزة الأكتوبرية بإمتياز. خدعت إسرائيل وتفاجأ العرب والمسلمون بل الشرق والغرب. هنا يبرز سؤال واجب الطرح وهو..هل لدى حماس خطة متكاملة لإدارة الحرب؟ هل كانت تتوقع دعما عربيا إسلاميا أو تثويرا لكل الجبهات، وفي مقدمتها جبهات المقاومة الداعمة للقضية الفلسطينيىة عبر محاورها المختلفة؟ إذا كان الأمر كذلك فلا بد من إنتظار صفحات هذه الخطة. اما اذا كانت تراهن على تثوير الوضع العربي والإسلامي فهذه كارثة لعدة أسباب.. منها ما شرحته آنفا من انقسام تام بين جبهتين.. جبهة تريد السلام والتطبيع وجبهة تريد مواصلة المعركة مع العدو الإسرائيلي. وبين هذين الخيارين، ليس هناك خيار ثالث ما لم تحدثه حماس بمفاجأة أخرى.. إن وجدت.