أكثر من الرواتب

آراء 2023/10/16
...

ساطع راجي

الأزمة بين حكومتي المركز وإقليم كردستان أكبر بكثير من قضايا جزئية مثل تصدير النفط والمنافذ الحدودية والايرادات ورواتب الموظفين، وهي تشبه كثيرا الأزمة بين معظم الإدارات المحلية للمحافظات غير المنتظمة بإقليم مع الحكومة الاتحادية، لكن بحدود أضيق وتسييس أقل، إضافة إلى تشابك المصالح الحزبية بين من يدير هذه المحافظات ومن يشكل الحكومات الاتحادية المتعاقبة، مع ملاحظة حلم الاستقلال الكردي.
يتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالفشل في استكمال الهيكل الإداري والسياسي للدولة، سواء في المركز أو الأطراف، وكذلك تخلف العقل السياسي، الذي لم يستوعب حتى اليوم معنى الدولة الدستورية اللامركزية، فمن يملك الحكومة الاتحادية يعتقد غالبا بحقه في فرض كل شيء على الاطراف، بينما القائمون على إدارة الأطراف (إقليم ومحافظات) يعتقدون بأنهم مخولون في ادارة كل المفاصل والتحكم بكل التفاصيل في مناطق اداراتهم، حتى وصل الأمر إلى العلاقات الخارجية أحيانا.
إن الاحتكاك السياسي والإعلامي بين الأحزاب في الإقليم والقوى التي تقود الحكومة الاتحادية، خلال السنوات الماضية، قلص مساحة المشهد الخلافي على ادارة الدولة العراقية، إذ تنشب الخلافات منذ زمن بعيد بين الحكومات في المحافظات والحكومة الاتحادية على سلطة تعيين مدراء الدوائر، وعلى ادارة المطارات والتحكم بعائداتها وعلى املاك الوزارات الاتحادية مثل الصناعة والتجارة والمالية والموارد المائية وغيرها، فالوزراء ورؤساء الهيئات الاتحادية يعتبرون أنهم مطلقو الصلاحية في ادارة ممتلكات مؤسساتهم بينما المحافظون ومجالس المحافظات يعتقدون أنهم الأحق في إدارة هذه الممتلكات، ونسمع من وقت لآخر قيام محافظ ما بتوزيع اراضي مشروع يتبع لوزارة كقطع سكنية، أو أن المحافظ ومجلس المحافظة يطرحون مشاريع تتبع الوزارات للاستثمار، وفي أزمات الكهرباء أو المياه تتصارع الوزارات والمحافظات على خطط التوزيع.
وكثيرا ما اعتبرت الحكومات الاتحادية إن إدارات المحافظات، ليست كيانا متكاملا يجب الالتزام بالقوانين والتعهدات في التعامل معه، ولذلك تضيع أو تتأخر حقوق البترودولار والمنافذ الحدودية والحصص المالية المرصودة في الموازنة عن الوصول إلى المحافظات لسنوات ويتم النظر إلى هذه الاستحقاقات على أنها «ثانوية» و»غير ملزمة»، لكن تبقى هذه الخلافات خارج الاهتمام الشعبي نظرا لتدفق رواتب الموظفين بشكل منتظم!.
شارك الكثير من الساسة والمسؤولين العراقيين في دورات تدريبية وورش عمل ومؤتمرات عن الادارة اللامركزية، والتعامل بين المكونات الادارية للدولة داخل وخارج العراق وإطلعوا على نماذج حية لهذه الدول الحديثة، وتكلموا كثيرا عن تقاسم الصلاحيات واللامركزية والتعاون والتفاهم، لكن في الواقع ما زالت عقلية الادارة العثمانية هي السائدة، الجالس في إسطنبول يصدر فرمانات وولاة المناطق يتصرفون
كملوك.