السلامة أولًا

آراء 2023/10/16
...

عباس الصباغ

كنا نمر مرور الكرام حول شعار (السلامة أولا) يومها لم تكن الحرائق متعددة الأسباب وبالجملة ظاهرة ملفتة للنظر، بل كانت تمثل أحداثا عرضية، ضمن مبدأ القضاء والقدر المصحوب بأمنية (دفع الله ما كان أعظم)، ولكن هل يوجد أعظم من حادث يؤدي بكل بساطة إلى استشهاد مئات الضحايا حرقًا ودهسًا واختناقا وتحوّل البعض إلى اشلاء متفحمة والعرس إلى مجزرة جماعية، فما حدث في (بغديدي) الشهيدة هو الشروع في إبادة جماعية وبفعل “فاعل” لا تنفع في تفسيره كل نظريات القضاء والقدر والحظ والبخت والقسمة والنصيب ودفع الله ما كان أعظم، ونحن نعيش العقد الثاني في الألفية الثالثة فلم يعد (السلامة أولا) مجرد شعار أو ترف فكري ومصفوفات لغوية جوفاء تجترها الألسن، وليس من المقبول أو المعقول، ونحن نعيش في فورة التقدم العلمي و التكنولوجي والذكاء الاصطناعي أن يموت الناس ببساطة متناهية، لمجرد خطأ معماري بسيط وتافه أو لغش إداري، سببه الفساد المتعمد أو مشاعل أطفال، بل يجب اعتماد إجراءات فعليَّة وطنية شاملة، بعيدا عن المؤتمرات والورش التي لا يستخلص منها سوى الكلام الفارغ والأماني النرجسية غير المتحققة، وذلك بالتغيير الحتمي والإلزامي، وليس الشكلي الإجرائي (وذلك بمراجعة جميع المواقع التي من المحتمل أن تكون مثل قاعة أعراس الحمدانية وهي تربو على (سبعة آلاف موقع)، كقاعات الأعراس والمدارس والمولات والكوفيات، مع حظر جميع مواد البناء الممنوعة، والتي قد تدخل خِلسة في البناء بسبب الجهل أو الفساد أو اللامبالاة أو تقديم الرشى وغير ذلك)، و(يجب إجراء مسح موقعي شامل، لجميع المواقع المشمولة، بل جميع المواقع وإجبار أصحابها على الرضوخ لشروط السلامة الوطنية، التي تقررها الجهات المختصة، كالدفاع المدني ووزارة الداخلية ومحاسبة المقصرين، في غض النظر عن مواد البناء المحظورة أو تسهيل التعامل بها)، ويستدعي ذلك التحرك العاجل لعدم تكرار ما حدث في قاعة أعراس الحمدانية، وليس انتظار “المصائب” اللاحقة بدون التهيؤ لمواجهة الأزمات، لأن استمرار الحرائق خاصة في الصيف اللاهب، وهو مايجري حاليا هو بحد ذاته أزمة يجب التصدي لها، ووضع الحلول الناجعة لها، وليس التباكي عليها وتوقع حدوثها، فالإجراء الصحيح هو منع تكرارها وليس ترقيعها لأي سبب كان، سواء أ كان هندسيا أم فنيا أم غشًّا معماريا، أو لسبب الجهل والفساد وقلة الوعي أو لفعل “فاعل” مجهول، وقد اجتمعت كل تلك الاسباب في قاعة أعراس الحمدانية للأسف.