د. صادق كاظم
منذ العام 1973 لم تتمكن أية قوة عربيَّة من مفاجاة إسرائيل وإلحاق الهزيمة بها مثلما فعلت حركة حماس مؤخرا ومن قبلها حزب الله لبنان، عندما نفذت عملية تستحق أن تدرس في معاهد وكليات الحرب في العالم، رغم أنها ليست جيشا نظاميا, بل فصيل مسلح محدود القدرات والامكانيات.
لقد راكمت حماس الكثير من الخبرات، التي تعمّقت وتوفرت لديها، من خلال خوضها أربع حروب مباشرة مع إسرائيل كانت بالنسبة لتل أبيب بطعم الهزيمة, إذ إنها لم تحقق أهدافها في القضاء على حركة المقاومة الفلسطينيَّة. لم تثمر معاهدات أوسلو ولا السلام العربي- الإسرائيلي عن حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه، وكان التنصل الصهيوني والتوسع الاستيطاني، الذي لا يتوقف سببًا في جعل القضية الفلسطينيَّة لا تعرف طريق الحل أو الهدوء مطلقا. هذه السلوكيات اليمينية الفاشية التي تكرست مؤخرا مع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في تل أبيب وشعارها الذي ترغب في تحقيقه في محو الشعب الفلسطيني وتاريخه من على الخريطة، وما رافقها من تصعيد استفزازي على أرض بيت المقدس من الأسباب، التي عجلت بتنفيذ عملية طوفان الأقصى, بعد أن أصبحت الدبلوماسيَّة والحلول السلمية أمرا متعذرا، وغير مفيد أصلا, خصوصا أن تل أبيب استغلت الضعف السياسي العربي وانخراط بعض الأنظمة العربيَّة الحاكمة في مسيرة التطبيع مع الكيان، وعلى حساب القضية الفلسطينيَّة نفسها وهو ما شجع الكيان الصهيوني على التمادي في سياساته ضد الشعب العربي الفلسطيني. نقل النزاع إلى هذا المستوى القتالي من العمليات يثبت بان التعامل مع الكيان وانتظار معجزة أن يقبل بالتفاوض مع السلطة الفلسطينيَّة، لإقرار بعض الحقوق المشروعة لهذا الشعب، يعد وهما فهو لم يعرف عنه يومًا أن قدم التنازلات أو قبل بالتسويات، فالمماطلة وكسب الوقت هو أسلوبه الوحيد للتعامل مع الطرف الفلسطيني، الذي يشعر اليوم بأن اتفاقيَّة أوسلو كانت كذبة كبيرة لم تحقق له سوى سلطة محدودة جدا على بقعط صغيرة ومعزولة من أرض فلسطين ونشيد وعلم لا أكثر. عملية طوفان الأقصى أثبتت للعالم بأن الشعب الفلسطيني لا يموت، ولن تنال منه أساليب الكيان الفاشية والوحشية، فهو أقوى من كل أساليب الحصار والعقوبات، التي يفرضها الكيان عليه التي لا يزال يمارسها منذ العام 1948.
مشهد اقتحام المستوطنات من قبل مقاتلي الفصائل الفلسطينيَّة المسلحة أثبت من دون شك بأن هذا الكيان الدخيل والغاصب، هو كيان هش وسهل الانكسار، وهو ليس بتلك القوة التي يحاول قادته أن يوهموا شعوب ودول المنطقة بها، ومشهد اقتياد الجنود والضباط الأسرى، أفصح عن حقيقية انهيار وخوار هذه المؤسسة، التي وصفها قادة العدو بأنها لا تقهر, حيث بات جنودها يهربون ويفرون من دباباتهم ومعسكراتهم أمام زحف مقاتلي الفصائل الفلسطينيَّة، الذين تمكنوا وبشكلٍ مثيرٍ للإعجاب من اختراق أعتى التحصينات واقتحامها والسيطرة عليها بسهولة.
الكيان الصهيوني بات منكسرًا، وحكومته لا تعرف كيف تبرر تلك الهزائم أمام شعبها وحلفائها، الذين كانوا يعتقدون بأن الكيان أمنع وأقوى من أن تهزمه فصائل صغيرة، بإمكانيات محدودة لا تقارن بامكانيات الكيان وقوته. المعارك حتما ستشتد وستطول، وستكون هناك خسائر في صفوف سكان القطاع, حيث يستهدفهم من دون هوادة قصف جوي مدفعي وبحري متواصل لا يتوقف, لكن المحصلة النهائية أن الشعب الفلسطيني أثبت للعالم بأن ارادته لا تنكسر، وهي أصلب وأقوى من أن تنالها سيوف وقذائف الصهاينة
المجرمين.