سياسة التوازن والدفاع عن السيادة

آراء 2019/05/10
...

يعقوب يوسف جبر 
التوازن في رسم السياسة الخارجية لأية حكومة هو الأساس لحماية سيادة الدولة والدفاع عن حقها المشروع في بناء علاقات رصينة مع سواها من الدول ، وضمان استقرارها الداخلي  وهذا ما نصت عليه المادة الثانية الفقرة الأولى من الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة والتي جاء فيها : (  تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة بالعمل وفق مبدأ المساواة في السيادة بين جميع 
أعضائها ) . 
بموجب هذه الفقرة يلزم جميع الأعضاء بالتقيد بهذا الأساس القانوني ، لأنه يعد اعترافا لبعضهم بالبعض الآخر بحق السيادة ، دون إخلال بهذا الالتزام وبالحقوق المترتبة لكل دولة اتجاه غيرها من الدول ، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الأولى من الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة (لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يتقيدون وفق مبدأ حسن نية ‏بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بموجب هذا 
الميثاق ) 
وفي حالة تجاوز أية دولة على حق دولة أخرى في موضوع السيادة وما يترتب عنها من حقوق ، فإن من حق الدولة المتجاوز عليها اتباع الطرق القانونية لدفع هذا التجاوز ، أما عبر التفاوض مع الدولة المتجاوزة لإعادة العلاقات إلى نصابها الصحيح  ، وهذا ما أكدته الفقرة الثالثة من المادة الأولى من الميثاق (يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة 
للخطر ) 
فإن حدث تنازع فيمكن للدولة المتجاوز عليها اللجوء إلى الأمم المتحدة ، لفض هذا التنازع الناشئ عن التجاوز ، وهذا ما أشارت له الفقرة الثانية من المادة الأولى من الفصل الأول من الميثاق (إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم 
العام ) 
إن هذه المبادئ الدولية الرصينة هي الوسائل الكفيلة برأب الصدع الذي قد يقع بين الدول ، وثمة علاقة وطيدة بينها وبين سيادة الدولة وأسلوبها في رسم ملامح سياستها الخارجية مع غيرها من الدول ، فاليوم نلمس مليا هذه التوجهات من قبل حكومة السيد عادل عبد المهدي ، فهو يسير بشكل منتظم وبهدوء وموضوعية على هذا النهج 
القويم ، والدليل ما يبذله من جهود لتبني هذا المشروع الدبلوماسي
 ، فلقد دأب عبد المهدي على مد الجسور مع هذه الدول لانتشال العراق من التداعي الذي انتاب علاقاته الخارجية خلال السنوات الفائتة ، فلقد امتدت آثار هذا التداعي إلى النطاق الداخلي ليتحول ويتجسد في  صورة صراعات داخلية تبلورت في تمادي الجماعات الإرهابية المسلحة ، وتهديدها السيادة العراقية فكان الثمن الذي دفعه العراق  
غاليا .
لكن بعد ان انتصر العراق على الهجمة الداعشية أصبح بإمكان حكومته برئاسة السيد عبد المهدي اتخاذ سياسة جديدة ، بوضع العراق على السكة الصحيحة ، وهذا مادأب عليه السيد عبد المهدي استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة في فصل 
الأول .
 إن العراق كحكومة وكدولة عضو في الأمم المتحدة من حقه بموجب الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة رسم سياسته الخارجية بالشكل الذي يصون سيادته الخارجية من التصدع والتدخل في شؤونه الخارجية والداخلية 
أيضا .
وأن خطوات عبد المهدي المتزنة في هذا المجال وتوجهات حكومته قد جاءت بهذا الاتجاه متسقة ، مع ميثاق الأمم المتحدة لتحقيق جملة من الأهداف على المستوى الخارجي ثم الداخلي ، منها تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والأردن والسعودية وإيران وتركيا وغيرها من الدول ، فإذا تمكن السيد عبد المهدي من النجاح في مشروعه فإن ذلك سينعكس على البيت الداخلي للعراق ، لكي تتجه حكومته نحو تنفيذ خططها في الأمن والإعمار والبناء والاستثمار ، إذ بدون رسم سياسة خارجية متوازنة ، لن يكون بمقدور حكومة السيد عبد المهدي تنفيذ برنامجها الحكوميعلى الصعد كافة.