صورٌ عربيَّة مختلفة

آراء 2023/10/18
...

 د. أثير ناظم الجاسور

منذ اليوم الأول لبد عمل حركات ما تسمى بحركات التحرر العربية، ولغاية اللحظة والعرب كل يوم تتبدل صورهم، سواء بقناعاتهم الشخصية أو تلك التي يتم رسمها أيضا مع كل حدث على أرض هذه المنطقة، المنشغلة بالمشكلات والأزمات، التي أوجدتها أنظمتها السياسية الناتجة عن تلك الحركات البائسة، فالمؤامرة التي يعيشها العربي داخل نفسه لا تسمح له بالتفكير أن يقدم قدمه لاتخاذ خطوة تجعل منه مختلفا عما تمَّ رسمه عليه أو عما هو مقتنع بأنها صورته التي لا تتبدل
فقوانين البؤس التي يحاول تأكيدها ليعيش ضمن فقراتها ومخرجاتها هي مبنية على متبنيات أنظمته السياسية التي أوهمته بأهمية هويته القومية المأزومة والمتآمر عليها من كل العالم لما تحمله من مخاطر على الآخرين فيما اذا تطورت، لا يزال العربي يبحث في ثنايا خيباته عن صور مختلفة عن تلك التي تم رسمها له سواء م قبل الغرب، الذي يخفي بشاعته بفشل العرب أم من خلال تخاذل الاخير للغرب وجعله النموذج الحياتية المتيمز، رغم تشوه تجربته المزعومة، فالنموذج الغربي العادل المليء بالمعايير الأخلاقية والإنسانية، يُحاول بين الحين والآخر تبرير القتل والتهجير والتنكيل، الذي يحدث بالشعب الفلسطيني المسالم من قبل الكيان الإسرائيلي الغاصب، ولا يتوانى الغرب عن دفع الأمور لصالح هذا الكيان، حتى وإن كان على حساب المعايير التي ينادي بيها ومتبنياته المعلنه.
لكن المشكلة اليوم بأصحاب القضية الذين راحوا ينادون بإيقاف النزاع والاقتال دون التدخل بإيقاف القتل المستمر للشعب الفلسطيني، فالحرب أو المعارك الدائرة اليوم بالرغم من عدم تكافؤها الا ان القتل بات هو الأيقونة التي بينت مستويات التفكير العربية السياسية تحديدا ( الحكومات)، فصورة العربي الإرهابية
والمتخلف والبعيد عن الحداثة والتطور وصفات أخرى رسمها الغرب في جانب وصورة اليوم أمام كارثة يعيشها الشعب الفلسطيني وموت مؤكد في جانب أخر، قانون السلطة عند العرب السكوت على كل ما هو غير قابل فيه للسكوت يساوي استمرارية تسهل عملية البقاء، اما القانون الاخر يتحدث عن مقدار ما وصل حال العرب الناتج عن قدرة الحاكم بالتنازل عن كرامته تساوي السماح له على أن يقول ما لا يفعل، بالمقابل انقسم العرب هنا إلى قسمين الاول يحاول إيقاف الازمة خوفا من أن تمس شراراتها حدوده ويسعى في تأطير الازمة على إنها حادث من الممكن تلافيه بالحوار، والقسم الآخر يرى أن ما فعلته حماس غير مبرر لاعتبارات الشراكة التي تربطه مع الكيان الإسرائيلي، أولا وثانيا الخوف من نجاح حماس في تحقيق نقاط نجاح تُحسب لها ولحلفائها، وقد يتكرر سيناريو حرب تموز 2006، وفي هذا الحال تخشى الحكومات العربية المصره أن تكون المسيطر على الوضع العربي من أن تنحرف الاحداث لما لا يتوافق وسياساتها.
لطالما يخشى العربي من أن تشوه صورته بالرغم من عمليات التشويه الغربية المقصودة أو تلك التي ساهم العربي نفسه في تشويهها، لكن ما يحدث اليوم في غزة من قتل على يد الكيان الإسرائيلي أمام هذا الصمت العربي المتخاذل، يجعل من صورة العربي اكثر انحطاطا، سواء بأعين من يحاول أن يؤكدها أو في عين العربي نفسه، فما يحدث اليوم خارج إطار المنطق العقلي أو الحياتية وحتى العاطفي، ولا يحتاج إلى تنديد ووقفه واجتماع، موقف اليوم بحاجه إلى قرار يُعيد للعرب صورتهم التي لطالما أصابها الجفاف وحلت عليها مراحل تعريه الكرامة، بالرغم من المثالية التي قد تستوطن مخيلة المواطن العربي في أن حكوماته ستتخذ المواقف الحازمة لنصرة فلسطين وشعبها، إلا أن الأكيد باتت صورة العربي عبارة عن ذلك الداعي إلى القتل الخائف المتستر وراء تاريخيه، الذي لم يكن له يد في صنعه، ستبقى صورة العربي ذلك الجسر الي يسهم في تنفيذ مشاريع العالم كله على حساب عالمه، دون التأكيد على مصلحة أو عيش كريم، ستبقى صورة العربي المتنازل الضعيف الذي يسعى أن يكون ضمن قطيع القوى المهيمنة، التي لا تسمح له إلا بالتنفيذ، ويبقى العرب رهينة تلك الحركات التحررية المزعومة، التي ولدت الخيبات تلو الخيبات لنصل إلى نقطة لا حياة.