على مدى أكثر من نصف قرن كان ديوان “الريل وحمد” للشاعر مظفر النواب أحد أشهر الأعمال الشعرية ذات النكهة السياسية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. كان المد اليساري على أشده في المنطقة والعالم. كان العالم يعيش مرحلة الحرب الباردة بين العملاقين أو القطبين آنذاك أميركا والاتحاد السوفياتي. وكانت التسمية الأكثر تداولا في الأدب السياسي يومذاك هي الشرق والغرب اللذان لايلتقيان. كان سياسيو وحزبيو وشعراء ومثقفو وفنانو تلك الحقبة متفاعلون مع أحداثها ووقائعها بكل صدق وصميمية بقطع النظر عن اختلاف إنتماءاتهم الأيدولوجية وصراعاتهم
البينية.
حين حول المطرب ياس خضر قصيدة “الريل وحمد” لمظفر النواب الى أغنية لحنها الراحل طالب القره غولي فتحت الباب واسعا أمام نمط جديد من الأغنية التي تجمع بين العاطفي والسياسي الى درجة التطابق التام. ينطبق هذا أيضا على أغنية “ليل البنفسج” للثلاثي نفسه مظفر النواب شاعرا وطالب القره غولي ملحنا وياس خضر
مطربا.
بعد أكثر من أربعة عقود من عمر هذه الأغنية التي كانت سياسية برمزية وصور شعرية حيث كان المعني بها هو الحزب الشيوعي تتحول الى سجال سياسي فجره تصريح للنائب محمد
الكربولي.
من المعروف أن النظام السابق كان منع أغاني ياس خضر السياسية وهي “الريل وحمد وليل البنفسج وروحي” لأسباب سياسية خصوصا بعد انهيار الجبهة الوطنية بين البعث والشيوعي أواخر السبعينيات. الكربولي وفي سياق إجابته على سؤال لغزوان جاسم
في برنامج “حق الرد” من على قناة “السومرية” حول رأيه بحكومة
رئيس الوزراء السابق الدكتورحيدر العبادي قال كانت “مرينة بيكم حمد”.
هذه الإجابة أغضبت إئتلاف النصر الذي يتزعمه العبادي من منطلق أن التشبيه سلبي. كان بيان النصر غاضبا على الكربولي لا على مظفر النواب مؤلف قصيدة مرينة بيكم حمد ولا على طالب القره غولي ملحنها ولا على ياسر خضر مطربها ولا على الملايين من عشاق هذه الأغنية. لست معنيا بالتصريحات أو بالرد عليها. لكنني معني بحمد .. الكلمات واللحن والأغنية. لم يكن لحمد الذي مررنا به “ بقطار الليل” أي دلالة سلبية. كان المرور السريع كناية عن الشوق فقط.
فحمد المعشوق كان يحمل من وجهة نظر العاشق كل معاني الكرم والطيبة حيث القهوة والهيل “إسمعنا دك كهوة وشمينة ريحة هيل”. ولأن الشجى يبعث الشجى كما يقول مالك بن الريب فقد تداعت صور ومعاني القصيدة متسامية مع نداء الشاعر للقطار “ ياريل صيح بقهر .. صيحة عشك ياريل .. هودر هواهم ولك حدر السنابل كطة” .
صور ولا اروع بقينا على مدى أكثر من 40 سنة نرددها بعاطفة جياشة. إذن ما الذي يجعل نائبا في البرلمان يستعير هذا الوصف المملوء دلالات محبة وصدق ولوعة لإدانة حقبة سياسية؟ لا هو ولا من رد عليه يملكان الإجابة عن هذا السؤال. كلاهما بعيدان عن حمد وريله .. حمد الذي مازلنا نحن لقهوته وسنابل قطاه.