انتهاك القانون الدولي الإنساني في غزة

آراء 2023/10/18
...

 د. حميد طارش

 لم يكن القانون الدولي الإنساني وليد العصر الحديث، وانما جاء عبر كمٍ كبيرٍ من الأعراف والمثل الأخلاقية السامية، التي من شأنها تهذيب الحرب، إذ كانت تسود في الماضي السحيق قيم الفروسية، فلا يجهز الفارس على جريحه أو من يفرّ من امامه ولا يسرف في القتل أكثر مما يجب، لذلك لُعن هولاكو على طول التاريخ عندما استباح بغداد وأحرقها، بل ووصم بالوحش وغير المتحضر، تلك الصفات السيئة التي امتدت إلى قومه آنذاك.
 حروب أوروبا أسفرت عن ضرورة تبني قواعد قانونية دولية ملزمة لتخفيف معاناة الحروب والحد منها، أو كما توصف بأنسنة الحرب، لتقييد الأطراف المتنازعة، من حيث استخدام بعض الأسلحة المدمرة، وحماية المدنيين والأشخاص الذين أصبحوا خارج المعركة كالأسرى والجرحى، والأشخاص الذين لم يشتركوا بالقتال وحماية الأعيان ومنع التعرض للمنشآت الخطرة...
 لكن ما يجري اليوم على الأرض الفلسطينيَّة يعدُّ انتهاكاً لتلك القواعد وجرائم إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل ضد الناس المدنيين، وتمارس عملية الانتقام الجماعي وتطبيق العقوبات الجماعية، وتضرب المؤسسات والأشخاص المحمين بموجب القانون كالمستشفيات، إذ أعلنت منظمة الصحة العالمية عن قصف جوي إسرائيلي طال (34) مستشفى، كما أُعلن قتل بعض الإعلاميين من مراسلي القنوات الفضائية والصحف، وتعمل إسرائيل على تهجير سكان شمال غزة البالغ عددهم اكثر من مليون نسمة إلى جنوب غزة، الأمر الذي سيزيد من معاناتهم الإنسانية، وأما عمليات القصف العشوائي، فلا تميز بين الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى، فضلاً عن عمليات تدمير واسعة للعمارات السكنية والابنية والبنى التحيتية، وفرض حصار يمنع من وصول الامدادات الإنسانية لسكان غزة.. وتعد الأفعال المذكورة جرائم بموجب القانون الدولي الإنساني.
 تلك الحماقة لم تقتصر على إسرائيل، وإنما على الحكومات، التي لم تستنكر تلك الجرائم، فضلا عن توافد المسؤولين والاساطيل الحربية الأمريكية والبريطانية لتقديم الدعم للوحشية!، بل واعلن بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكيَّة صراحةً زيف ديمقراطية حكومته وتحضرها، عندما قال أتيت بصفتي يهوديا لينسيه تعصبه العنصري وظيفته الدبلوماسية وما مطلوب من موقف لا يقبل الشك في مثل هذه الحالات، وهو وقف إطلاق النار، ومن ثم البحث في أساس المشكلة وليس ردة فعلها.