محمد صالح صدقيان
ضمن حسابات دقيقة ومحسوبة، قام الوزيران الإيراني حسين امير عبد اللهيان والأمريكي انتوني بلينكن بزيارة للمنطقة؛ الأول زار الأصدقاء في العراق وسوريا ولبنان؛ والثاني حطَّ به الرحال في تل أبيب، إضافة إلى عدد آخر من بلدان المنطقة.
ليست صدفة تواجد الاثنين في هذه المنطقة بعد «طوفان تل أبيب « وإنما حسابات دقيقة لكلا الوزيرين؛ فالأنظار متجهة لبلدانهم ماذا تريد ان تفعل؟.
لطهران التي تتزعم محور المقاومة لمواجهة الكيان الإسرائيلي في عقر داره؛ ولواشنطن التي نتابع ما تريد فعله علی ضوء الرغبة الإسرائيلية في ابتزاز موقفها، لتوسيع رقعة الحرب وضرب وتأديب من يمكن تأديبه.
موقف معقد ومحرج لجميع الدول المعنية بالقضية الفلسطينية، وتاريخ هذه القضية منذ العام 1948.
وفيما يتابع العالم مآلات الساحات الاخری في الداخل الفلسطيني وفي الشمال؛ تتحدث إسرائيل عن تهجير جديد للفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية إلى العريش في صحراء سيناء، مدعومة بهجوم الطائرات التي تستخدم الفسفور الأبيض في حملات إبادة جماعية لسكان القطاع المحاصر؛ في حين يتم التكهن باستكمال هذه المرحلة بأخری لترحيل سكان الضفة الغربية للأردن في خطوة تعيد للأذهان، ما تم في العام 1948.
في المعلومات؛ رفضت إيران مقترحا أمريكيا للعودة للاتفاق النووي مقابل اقناع «حزب الله» بعدم فتح جبهة الحرب في شمال إسرائيل.
المقترح الأمريكي قدمه طرف ثالث معني بالمفاوضات الإيرانيَّة الأمريكية، الذي نقل عن استعداد الادارة الأمريكية العودة لمجموعة 5+ 1 والبدء بمفاوضات مباشرة لتنفيذ اتفاق 2015 والالتزام بالقرار الأممي الصادر عن مجلس الامن الدولي المرقم 2231.
المقترح جاء في اطار المباحثات التي تمت في سلطنة عمان، والتي أسفرت عن تبادل المعتقلين بين طهران وواشنطن الشهر الماضي، والذي من المفترض أن تٌستأنف بعد تنفيذ الصفقة المذكورة.
الوسيط بين طهران وواشنطن أراد أجوبة علی أسئلة طرحها الجانب الأمريكي، تتعلق بمجملها حول مستوی دعم إيران لأصدقائها في فصائل المقاومة؛ وإلی أي مستوی سيستمر؟
وماذا عن فكرة «وحدة الساحات»؟
وامكانية فتح جبهة الشمال عن طريق حزب الله؟.
المفاوض الإيراني كان واضحا في أجوبته التي رأی أن ما قامت به حركة حماس كان نتيجة طبيعية للاحتلال والاستيطان والإذلال والتجاهل والرهان علی نسيان سنوات القهر والتمييز العنصري، الذي يقوم به كيان الاحتلال؛ وإن جميع الاحتمالات اليوم مطروحة علی الطاولة.
أما قرار «وحدة الساحات» فإن قراره بيد الفصائل والقوی الميدانية، استنادا إلی تطورات الموقف وفق قاعدة «غزة ليست وحدها»، وضمن مسار لن ينتهي عند تطورات غزة، بمعنی أن هذه الحرب لن تنتهي إلا بحلول ملموسة تنهي معاناة الفلسطينيين في القطاع والضفة «وأن ما قبل 7 اكتوبر ليس كما بعده» علی حد تعبير المرشد الإيراني الأعلی الإمام الخامنئي.
اما ما يتعلق بالاتفاق النووي فإن الجانب الإيراني رفض بشكل قاطع ربط هذا الاتفاق وعودة الولايات المتحدة للاتفاق والمجموعة الغربية مع الحرب علی قطاع غزة؛ مشيرا إلى أن المفاوض الإيراني الذي يحاور الأمريكي بشكلٍ غير مباشر لا يحق له الكلام في هذه القضية لا من قريب ولا من بعيد؛ منتقدا في الوقت ذاته وقوف الولايات المتحدة مع الكيان المحتل في العدوان علی غزة، الذي رأی فيه أنه يسهم في تنضيج الاحتمالات المطروحة، التي لايمكن الوقوف أمامها في حال تم «تقدير موقف» لـ «وحدة الساحات».
سألت مصدرًا مواكبًا للتطورات عن نتيجة ما يحدث؟ ومآلات التطورات في غزة؟
هل ستنتهي كما انتهت الحروب السابقة؟
وكيف يمكن معالجة آثار وتداعيات العقاب الجماعي لسكان قطاع غزة؟
قال إن ما تفعله إسرائيل من إبادة وعقاب عملية لا يمكن لقوات الاحتلال التنصل عن مسؤليتها؛ وإن الدول الغربية الداعمة للكيان أصبحت مكشوفة لجميع الأطراف المعنية دولًا وشعوبًا ومنظمات إنسانية ودوليَّة.
أما عن المآلات، فإنها تعتمد علی تطورات الموقف الميداني في القطاع والجهود الدبلوماسية والسياسية، التي تبذلها عديد الأطراف في الإقليم وخارجه.
تبقی قضية كيف ستنتهي؟
وهي النقطة التي تريد الأطراف الفلسطينية، ومعها أصدقاؤها في المنطقة تحقيقها.
المصدر قال غن هذه الحرب ستنتهي بشكلٍ مختلفٍ عن سابقاتها، لأن الظروف تختلف.
فلا إسرائيل هي كما كانت سابقا؛ ولا الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة مستعدة لبذل المزيد من الكلف المادية والأمنية والسياسيَّة في هذه القضية.
وإن انهيار الجيش الإسرائيلي في 7 اكتوبر كان شاهدا ومؤشرا علی كثير من الحقائق التي نتحدث عنها.
في المقابل – يستمر المصدر في تقييمه للتطورات – إن فصائل المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها هي الآن في أفضل حالاتها، من حيث القوة والتعاون والتنسيق بالشكل الذي لم يسبق له مثيل، خلال العقود الخمسة الماضية؛ وما يدعم هذه النظرية التخطيط والتوقيت، الذي قامت به حركة حماس في «طوفان تل أبيب} وتحديدا العناصر الميدانية، التي أرهبت العدو من البر والبحر والجو.
ولهذه الاسباب يقول المصدر فان النتائج سوف تكون مختلفة في القواعد والتوازن والاطر. سالته ماذا يعني ذلك؟
قال إن تاريخ القضية الفلسطينية شهد عدة مشاريع لتصفيتها، ولعلَّ أبرزها كان مشروع وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز الذي قدمه في يونيو حزيران عام 1970، والذي تمَّ رفضه من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وانتهاء بمشروع صفقة القرن الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرورا بمحطات مهمة من هذه المشاريع كاتفاقيات كامب ديفيد ومؤتمر مدريد وحل الدولتين.
إلا أن المرحلة الراهنة تختلف عن كل هذه المشاريع أن من حيث المضمون أو من حيث الشكل؛ فالوضع المحلي والإقليمي والدولي لا يشبه الأوضاع السابقة، أنه يشبه نفسه؛ والنتائج ستأتي مختلفة.
سألته عن امكانية طرح مشروع جديد كأن يكون «مشروع الاستفتاء» لتحديد طبيعة النظام السياسي، وإنهاء التمييز كما تمَّ في أفريقيا الجنوبية، الذي انهی نظام الفصل العنصري؟
قال إن ذلك غير مستبعد، لكن الاكيد أن قواعد اللعبة قد تغيرت؛ وتوازن الرعب يختلف؛ والكيان لا يملك مكانًا في منطقة الشرق الأوسط الجديد.
قلت له وماذا بعد؟
قال « وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولً. صدق الله العظيم.