جحيم الحيّ السكَني .. في رمضان!

آراء 2019/05/10
...

عادل العامل                  
يعيش الحي السكني في بغداد والمدن الكبيرة، بصورةٍ أو بأخرى، مسلسلاً يومياً يمتد ربما على مدى اليوم .. إلا أقلّه. وهي بطبيعة الحال مسلسلات  ليست كالمسلسلات التلفزيونية التركية المفبركة بالألوان الصارخة، وأقنعة الجمال المصنوع، والحوار الممل الباهت، التي تجد فيها نساؤنا “المهضومات” الطيبات تعويضاً عن سوء حظّهن المعتاد، ولا هي كمسلسلاتنا العراقية المتشتجة الصاخبة الباحثة عن معنى، وإنما هي مسلسلات بالصورة الكالحة والصوت المروِّع من نوع:
• إيالة إيالة ..  أي زبالة زبالة .. مَن عنده زبالة؟!
• غاز بسبِعتالاف ..  بسبعتالاف غاز .. غاز غاز! (بمصاحبة سمفونيةٍ لموزارت أو بيتهوفن، لدى بعض الباعة المتفنّنين، أو صوتٍ بشري لا يُعرف لأية فصيلة يعود!)
• نفط نفط .. من يريد نفط .. نفط نفط!
• عتيق للبيع .. طحين .. تمن .. خبز يابس للبيع .. ثلاجات .. مبردات .. بايسكلات للبيع !
• بطيخ بطيخ طماطة بيذنجان .. ركي  ركي عراقي أحمر حلو عالسكين!
• سمك سمك حيّ يلبط يلبط .. سمك يلبط وحيّ!
• شَعر بنات شعر بنات .. اللّي يذوقه ما يبات!! ... إلى آخره.
أضف إلى ذلك كله : شخص يطرق باب منزلك فتظهر فتاةً متلفعة بالأسود الباهت أو شاب صغيرمكسور الخاطر، أو امرأةً “محترمة” في طريقها إلى السوق، يطالبونك بشيءٍ مما لديك من مال الله!
وآخر يسألك إن كان هناك بيت للإيجار، أو إن كنت تعرف واحداً اسمه محمود أو أبو محمود في المنطقة يشتغل في مديرية الصحة أو الكهرباء أو ربما البلدية  وعنده سيارة بيضة!
ويمكن للقارئ العزيز أن يضيف إلى ذلك كله ما يتميز به شارعه أو حيّه السكني من فولكلوريات حديثة، وهي إضافة جديرة بأن تُضاف بالتأكيد!
هذا بالإضافة إلى  هدير مولدات الكهرباء العتيقة الشمطاء واستغلال أصحابها لأمراض الكهرباء “الوطنية” المزمنة، وإلى زعيق سائقي السيارات المتوترين وأولئك المتباهين بقبح أصوات سياراتهم “الظريفة”، وإلى مشاجرات وحوارات عمال بناء يعملون قرب بيتك، وصراخ أي رجل عابر يحاول أن يتفاهم عبر الموبايل مع واحد ربما في أحراش الكونغو أو في الأمازون! ..
وهكذا، فبدلاً من أن تذهب أنت إلى السوق متجشماً عناء اجتياز العراقيل  في الشوارع المؤدية إليه، ومجازفاً بسلامتك الشخصية وسط فوضى البضائع المعروضة على كامل الأرصفة واحتمال أن تضربك سيارة قادمة في اتجاهٍ معاكس أو أن “تتكعبل” بكيس قمامة أو مخلفات نجّار أو “ألمنيومجي” عند حافة الشارع، يأتيك السوق إلى باب بيتك لينغّص عليك حياتك، أو ليُفزعك من نومك وأنت لم تنم بعدُ المقرَّرَ لك من النوم وفقاً لنصيحة الطبيب أو الدراسات العلمية!
ونسأل فقط مسؤولي البلديات و الأحياء السكنية هل أن تنظيم الحياة اليومية في هذه الأحياء وضبط مثل هذه الحالات المزعجة ليس من مسؤوليتهم، وهل أنهم لا يعتبرون تجاوز المحال التجارية على الأرصفة بالكامل مخالفةً صريحة وحالةً مزعجة وخطرة على حياة الناس، وهل ليس هناك تعليمات لديهم تمنع أي بائع متجوّل، أو سيارة قمامة، أو جامع “خردة فروش”، من أن يرفع عقيرته أعلى مما هو محدد قانوناً في حيٍّ سكني، وهل أن بعض سكنة هذه الأحياء أحرار حقاً في تجاوزهم على الأرصفة والفضاءات المجاورة لبيوتهم والتي ينبغي استثمارها كحدائق وملاعب لأطفال الحي وليس كإضافات مسروقة لبيوتهم الخارجة على القانون! .. 
وللتأكيد على صحة ما أقول، واستنهاض همم المسؤولين النشامى المتلهفين بالتأكيد إلى “تحليل” رواتبهم المحترمة، خاصةً ونحن في شهر رمضان المبارك، فإني أتوجه بالدعوة إليهم في بلدية الرشيد لزيارة منطقة شارع البدَّالة في حي الإعلام، على سبيل المثال، فإنهم سيجدون صيداً ثميناً من كل المخالفات الآنفة الذكر وغير الآنفة الذكر، إلى حد أنهم سيقضون عمرهم فيه وهم يفكرون كيف يبدؤون وبماذا .. ولَيه!