عامٌ على قيادة ميلوني لإيطاليا

بانوراما 2023/10/18
...

  ارنيا سايفو
  ترجمة: حميد ونيس

جورجيا ميلوني شخصية ناجحة؛ عرفت كيف تتعلم من التجارب وتتكيف. وتنتصر وسط الغموض. أنها تعرف متى تلاحق منافسيها أو تتركهم يتحطمون بمفردهم، ومتى تدافع عن إشكالية خلفيتها السياسية لمرحلة ما بعد الفاشية، أو تظهر صورتها الأكثر اعتدالا، وكيف تهاجم المنظومة التعصبية في بلادها (من دون إثارة السلطة الرابعة تقريبا) وتتراجع عندما العدو يكون (داخليا كان أم خارجيا) يفوقها في القوة، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه.

وقد تجلى ذلك منذ فوزها في التاريخي في الانتخابات قبل عام، تلك التي جعلتها زعيمة الائتلاف الحكومي الأكثر يمينية في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية، وأول سيدة لرئاسة حكومة بلادها.
خلال الأسابيع الأولى التي أعقبت التصويت، كانت إيطاليا قلقة، رغم أنّها من مؤسسي الإتحاد الأوروبي وواحدة من مجموعة الدول السبع القوية. حيث أن أجواء ميلوني المندفعة والهجومية في السنوات الأخيرة وخلال الحملة الانتخابية، قد أججت تلك الضجة والمخاوف، فضلا عن قلة كوادر فريقها التنفيذي، وتحالفاتها الأخيرة مع أحزاب متطرفة أخرى مثل حزب فوكس إلإسباني وحزب القانون والعدالة البولندي، فضلا عن مواقف حلفائها المؤيدين لروسيا.
كان ذلك عندما بدأت ميلوني بوضع مهاراتها موضع التنفيذ. ولأجل تهدئة الأمور، أعلنت عن ميلها إلى الحلف الأطلسي، وقدمت دعمها الثابت لاوكرانيا، وخففت من حدة مواقفها حيال القضايا الأوروبية، ودافعت عن الحوار مع الإتحاد الأوروبي، المؤسسة التي قالوا انها تريد تدميرها (حتى أن رحلتها الأولى خارج إيطاليا كانت على وجه التحديد إلى بروكسل). وهكذا، أقرت أول موازنة لها بعد توليها رئاسة الحكومة خلال الأشهر الستة الأولى تقريبا. لم يكن لديها صراع كبير سوى مع فرنسا حول الهجرة (تمت حلحلته جزئيا خلال اجتماع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون)، ولم يكن الأمر فظيعا، بحسب المسؤولين؛ إذ سادت التفاهمات  الدبلوماسية الأوروبية.

الإمساك بالسلطة
بدأت ميلوني، وبمساعدة من قوى المعارضة المشتتة، بالسعي الحقيقي لحكم بلادها بعد ربيع العام الماضي. ومن عالم العمل (وجهت ميلوني ضربة قاصمة للنقابات) مرورا بدوائر العدل والتلفزيون العام، بدأت رئيسة الوزراء سياستها في تحدي القطاعات الراسخة للقوى المؤسساتية والسياسية في بلادها، وتوجيه الإصلاحات، والموافقة غالبا على إجراءات بعيدة المدى، من خلال قرارات وقوانين والمسك بزمام الكثير من مصادر السلطة  دون أي مقاومة تذكر تقريبا.
تقول الصحفية سوزانا توركو، مؤلفة كتاب «الملكة جيورجيا «ان شبكة التلفزة الايطالية (RAI) أصبحت أكثر تمثيلا في البلاد ‏(شركة خدمة تلفزيونية دولية باللغة الإيطالية تابعة للاذاعة الوطنية العامة- المترجم). وإن حدوث بعض التغييرات في التلفزيون العام أثناء التغييرات الحكومية هو أمر يحدث دائما، ولكن مع ميلوني كان الأمر قاسيا، بل وهجوما هائلا». وتوضح توركو: «إن ميلوني تستفيد أيضا من المشهد الإعلامي الحالي؛ فتوجد اليوم صحف يمينية أكثر بكثير من الصحف اليسارية، لذا فإن النقد أقل أهمية بكثير»، مضيفة أن هذه التكتيكات من قبل ميلوني تسمح بإدخال التغييرات «بطريقة صامتة ومخادعة، ولا تثير رد فعل عام، حيث لا توجد أطراف مضادة ملموسة، فهي تحكم كما في الملكية (المطلقة)، وتقرر كل شيء، وكل شيء يدور حولها».
ومن هنا جاء عمل مستشاريها في بذل جهد مضاعف لترسيخ فكرة أن ميلوني زعيمة «محافظة»، وليست من «اليمين المتطرف»، والقيام بذلك من دون التوقف عن التحدث إلى قطبها المتشدد (اقصى اليمين). وتؤيد دانييلا جيانيتي، الباحثة السياسية في جامعة بولونيا، ذلك، قائلة: «في ميلوني، يتعايش جوهر لا يزال يتمتع بالسيادة، وهو جوهر أوروبا الشعب، ومحاولة لتقديم نفسها كزعيمة لحزب محافظ». ويظهر هذا أيضا في العلاقة مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين. «إنهما بحاجة إلى بعضهم البعض، ولهذا السبب أصبحتا أقرب» مع ذلك.

الانتصارات والإخفاقات
في هذا السيناريو، يحافظ حزب (أخوة إيطاليا)؛ حزب ميلوني، على القوة حتى يومنا هذا بوصفه القوة السياسية الرائدة في إيطاليا. فوفقا للاستطلاعات التي أجريت مؤخرا من قبل ثمانية معاهد مختلفة، حصل حزب ميلوني على  ما يقارب ٢٩ بالمئة وهذا يتفوق بفارق كبير على شريكيها الحكوميين الرئيسيين، حزب الرابطة وحزب فورزا إيطاليا وكذلك خصومه التقدميين، الحزب الديمقراطي ونجوم الحركة الخمس وحزب العمل. وإيطاليا فيفا.
هناك خاصية تتمتع بها ميلوني ولم تهزها الإخفاقات بعد. وهي مسألة إدارة الهجرة، فهناك اتفاقات مع  الرئيس التونسي قيس سعيد، والذي لم يوقف عمليات المغادرة الجماعية من هذا البلد. ومع ذلك هناك صعوبات اقتصادية متشابكة تواجهها إيطاليا، فالدولة لا يزال ناتجها المحلي الإجمالي ينمو بشكل غير كاف (أربعة بالمئة تقريبا)، وفقا لأحدث التقديرات التي واجهت في هذه الأشهر عقبات كبيرة للحصول على المرحلة الثالثة من خطة الدعم الأوروبي. وهناك مشكلة قلة الدعم الأوروبي للاقتراح الإيطالي بإنشاء صندوق سيادة أوروبي جديد للسياسة الصناعية في المنطقة.
صحيفة: البريديكو الاسبانية