تسببت الهجمات الارهابية المرعبة في سريلانكا قبل اسبوعين تقريبا بمقتل أكثر من 300 شخص وإصابة 500 آخرين. واتهم مسؤولو البلاد جماعة محلية معروفة على نطاق ضيق تدعى “جماعة التوحيد الوطنية” بوقوفها وراء الهجمات المنسقة، أما تنظيم داعش فتبنى مسؤولية التفجيرات، قبل أن تظهر أسئلة بشأن الجهة الراعية للهجمات. لكن السؤال الحقيقي هو هل كان بالإمكان تجنبها؟ مع أن أدلة اضافية ستظهر بمرور الوقت، الّا أن المعلومات المعلنة ترسم صورة مدمرة. فالهجمات كان من الممكن تفاديها، لكن اخفاقات مركبة سهلت حدوثها. وفشلت سلطات سريلانكا بتوقع تهديد الجماعات الاسلامية ذات الشبكات الدولية، وتجاهلت اشارات التحذير وفشلت بتقاسم المعلومات فيما بينها.
تمثل التفجيرات فشلا استخباراتيا بنسبة كبيرة. لكن فشلا بهذا الحجم لا يقتصر على سريلانكا فحسب، فالارهاب تهديد عالمي. وعندما تكون الشبكات دولية فالهجمات في دولة ما تتطلب عملا منسقا لمنع حدوث هذه الأخطاء مجددا.
فقد حذر مسؤولو مخابرات الهند والولايات المتحدة سريلانكا قبل إسبوعين تقريبا من وقوع الهجمات بشأن مخطط محتمل ضد كنائس ومواقع سياحية في البلاد. وبعد اسبوع على ذلك نصح وزير الدفاع السريلانكي المفتش العام للشرطة بذلك المخطط، مع قائمة بأسماء وعناوين المشتبه بهم، وشارك العديد منهم بالفعل في الهجمات، لكن السلطات لم تفعل شيئا.
أصدر نائب مفتش الشرطة العام مذكرة تفصيلية أخرى ووجهها الى مدراء حكوميين عدة، منهم رؤساء قسم الأمن الوزاري وقسم الأمن القضائي وقسم الأمن الدبلوماسي، وحددت أيضا التهديد وقائمة بالمشتبه بهم.
تلقى مسؤولو البلاد أيضا تحذيرات سابقة بخصوص الجماعة المذكورة من المجتمع المسلم السريلانكي. وذكر نائب رئيس مجلس مسلمي البلاد أنه حذر مسؤولي استخبارات الجيش من المجموعة قبل ثلاث سنوات.
انقسام سياسي
لماذا لم يتصرف أحد إزاء تلك التحذيرات سلفا؟ ربما بسبب بقاء حكومة سريلانكا منقسمة بصورة مريرة، اذ يخوض رئيسا الجمهورية والوزراء حربا ضد بعضهما البعض. ولا تزال البلاد تشعر بأصداء الأزمة الدستورية من العام الماضي، حيث حاول رئيس الجمهورية إقالة رئيس الوزراء والمجيء بزعيم استبدادي سابق.
رغم فشل هذا الانقلاب السياسي، لكن الانقسام بين الرئيسين مستمر وصار التحكم بالأجهزة الأمنية ساحة معركة رئيسة. في بيئة ترى المعلومات أداة سياسية وتولي رئيس الجمهورية السيطرة على وزارتي الدفاع والداخلية واستثناء رئيس الوزراء من مجلس الأمن الوطني، فليس مفاجئا رفض المسؤولين الأدنى مرتبة التصرف من جانب واحد.
مع ذلك، كان ينبغي بمسؤولي الأمن الكثيرين الذين علموا بالتهديد أن يبادروا بالتصرف. وذكر وزيرا الاتصالات والاندماج الوطني أنهما تلقيا تحذيرات مسبقة أيضا، لكن في حكومة منقسمة يصبح كل شيء مشكلة شخص آخر.
رغم التحذير المبكر من وقوع هجوم ارهابي ضد كنائس وأماكن سياحية، فلم تحدث زيادة بالتواجد الأمني أو اجراءات اضافية لاحقة لحماية المواقع المهددة خلال العطلة الوطنية ولم يقيد دخول تلك المواقع، ولم يتلق الشعب أو الكنائس أي تحذير مطلقا. يعد ذلك اخفاقا غريبا اذا أخذنا بالاعتبار تاريخ البلاد، فقد عاشت سريلانكا تجربة طويلة مع الارهاب وإن يكن طائفيا خلال الحرب الأهلية الوحشية حيث تخصص نمور التاميل بالهجمات الانتحارية. ومع ذلك لم تكن البلاد هدفا للجماعات المتطرفة رغم التوترات بين البوذيين والمسلمين، حيث هاجم بعض البوذيين مسلمين في آذار.
اخفاقات متعددة
نظرا للعنف المتزايد بين مكونات المجتمع، والتواجد المعروف لداعش في المالديف وبنغلاديش والهند المجاورة، فهجمات عيد الفصح تمثل فشلا بالتوقع أيضا. عموما، كانت قوات الأمن السريلانكية على علم بمخبأ متفجرات ومقر تدريب بوقت مبكر من هذه السنة. وصادرت تلك القوات 100 كيلوغراما متفجرات من مجمع زراعي ناءٍ يبعد نحو 160 كم عن العاصمة، وهو معسكر تدريب أيضا لمتطرفين خططوا تفجير نصب بوذية. ومع أن قوات الأمن نفذت بعض عمليات المراقبة وصادرت المتفجرات، لكن لم يجر تحقيق لمتابعة نشاطات أكثر اتساعا أو علاقات مع شبكات أكبر لهؤلاء المعتقلين.
تتطلب هجمات منسقة بهذا المستوى من التعقيد شبكات تمويل ولوجستيات، ولو أن السلطات كانت قد راقبت وحددت تلك الشبكات مسبقا فذلك سيقدم كنزا من المعلومات الاستخبارية ربما يحبط هذه الهجمات.
تفويت هذه المعلومات اخفاق آخر من السلطات، وكان الأجدر بها الاطلاع على العنف المتطرف العالمي وخصوصا في أعقاب هزيمة داعش بالحرب التقليدية والتي شتتت المسلحين والتمويل نحو مناطق أخرى. وكان على المسؤولين مراقبة الشبكات الدولية قبل فترة طويلة من الهجمات والاهتمام بتحذيرات الشركاء الدوليين مثل الهند والولايات المتحدة.
يعتقد أن 36 فردا سريلانكيا، وربما 100، أمضوا وقتا لدى داعش. وحذر محللو الارهاب وخبراء المخابرات وصنّاع القرار حول العالم من أن
مسلحي داعش سيمثلون تهديدا لبلدانهم الأم والدول المجاورة عند عودتهم وهناك حاجة ملحة لفهم الشبكات التي شكلها هؤلاء الأفراد، ومسارات الخروج من سوريا والعراق ونواياهم بمجرد تركهم ساحة القتال.
يعد المسلحون الأجانب في سوريا الأكثر خبرة عملياتية ومهارة بالقتل وارتباطا بالشبكات، وظهرت بالفعل روابطهم مع سريلانكا. وكان محمد محسن نيلام داعشيا سريلانكياً وقتل بغارة جوية على الرقة عام 2015، وربطته علاقة وثيقة مع شبكة جماعة التوحيد، لكن من غير المعروف حتى الآن اذا كان نيلام أو شبكته أو أي شخص آخر مرتبط بداعش قد شارك في الهجمات.
تداعيات الاخفاق الاستخباري شديدة، وربما يزداد سوءا التنافس السياسي والأزمة الدستورية التي ساهمت بهذه الكارثة لأن البلاد تبحث عمن يتحمل اللوم. أهم نتائج التفجيرات أنها كشفت الأزمة السياسية العالقة والتوترات الطائفية، ويظهر شعور البلاد بالرضا عن النفس بوجه هذه التحذيرات الرهيبة أن زعماءها سكنوا الى الايمان بأن مشكلة الارهاب قد انتهت بعد هزيمة نمور التاميل وفشلوا برؤية المخاطر المحيطة بهم.