سقطت داعش لكن ليس في مخيمات اللاجئين

بانوراما 2019/05/10
...

لينسي أداريو
ترجمة: شيماء ميران
يغص مخيم الهول، الواقع قرب مدينة الحسكة شمال غرب سوريا، بأكثر ستين ألف لاجئ من النساء والأطفال ويدفع بهم الى الهاوية. فيمكن رؤية سيل من النساء والأطفال بشعرهم الاشعث ومرتبكين وهم يتدفقون من الشاحنات في المخيم، وكانوا ضمن موجة الاستسلام والهروب الاخيرة من معاقل داعش الاخيرة في باغوز الحدودية جنوب شرق سوريا، وبينهم العديد من زوجات وأطفال مسلحي داعش. 
فقد سارت النساء مع اطفالهن لمدة اربعة ساعات وهم يحملون القليل مما تبقى من امتعتهم التي غطاها التراب مجمّعة بشكل يشبه طريقة الرزم العسكري واكياس بلاستيكية وحقائب حمل الأمتعة، يغطينَّ شعرهنَّ ووجوههنَّ تحت حجاب اسود ويرتدينَّ جلبابا طويلا خاليا من اي تفاصيل يشبه ما يُرتدى في مناطق التشدد الاسلامي، وبعضهنَّ محمولات على نقالات وهن شبه فاقدات للوعي وبعضهنَّ على كرسي متحرك بدائي، والبعض الاخر وصلنَّ متحديات الصعاب، لكن الجميع كان مرهقا ويتضور جوعا.
وقدرت لجنة الانقاذ الدولية وصول اكثر من خمسة آلاف طفل وامرأة الى مخيم الهول خلال مدة 48 ساعة فقط، هاربين من القتال بين القوات السورية وبقايا تنظيم داعش الإرهابي، ويقول المسعفون في المخيم أنه منذ كانون الاول الماضي وصل نحو ستين الف شخص غص بهم المخيم لاقصى مستوى، وبحسب اللجنة فقد مات مئة شخص تقريبا اغلبهم من الاطفال أثناء الطريق او بعد فترة قصيرة من وصولهم للمخيم، بسبب سوء التغذية الحاد وإصابتهم بالتهابات رئوية وانخفاض درجة حرارة اجسامهم والإسهال، وبحسب التقارير الاممية فان هؤلاء اللاجئين الجدد انضموا الى 65 مليونا اخرين موزعين بين انحاء العالم، وهو العدد الاكثر من اي وقت سابق منذ الحرب العالمية الثانية.
 
استيعاب الازمة
بعد انتصار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركيا على آخر معاقل داعش في قرية باغوز، سّلم عشرات الآلاف من افراد عوائل المسلحين انفسهم عبر الممر البشري الذي اقامته لهم قوات (قسد) خلال ستة اسابيع رغم القصف والاشتباكات العنيفة، واغلب الاطفال والنساء الذين تعهدوا بالاستمرار بدعم داعش، كان من الممكن أن يُستخدموا كدروع بشرية، وعاشوا حياتهم في انفاق وكهوف مع كمية قليلة من الطعام والدواء والتجهيزات الصحية.
والسؤال هو ما العمل مع العديد من هؤلاء النساء والأطفال نظرا لولائهم لداعش وتفسيرهم المتطرف للإسلام من خلال الاحتكاك بهم؟.
كان الاطفال غائرين داخل هياكل أجسامهم، اعينهم فارغة تؤطرها الصدمة والجوع والإرباك، وتراكمت الاتربة والاوساخ على هيكلهم العظمي الصغير، وعلى الرغم من المشهد المحبط إلا ان العديد من النساء ما زلن يتحدثنَّ بمزايا داعش وتنعى نهايته. ولا تزال بعض النساء من روسيا والقوقاز وقيرغزستان والعراق وسوريا وفنلندا وفرنسا وبريطانيا واميركا وغيرها يستذكرن الايام الاولى لداعش ويتساءلن متى وكيف يمكن ان تظهر (الخلافة) مرة ثانية بشكل آخر مستقبلا.
ومن بينهن، مثلا، سناء (47 عام) التي غادرت هيلسنكي عاصمة فنلندا مع زوجها المغربي قبل اربعة اعوام لتعيش في “دولة الخلافة” وترزق برابع ابنائها وتزوج ابنتها ذات الـ 13 عام، تقول: “عندما وصلنا للعيش تحت ظل الخلافة كانت الحياة طبيعية وجيدة، الاطفال يذهبون الى المدرسة والحياة طبيعية، لكن بعد سنة ونصف السنة تقريبا بدأ القصف وأصبح كل شيء يزداد صعوبة، والآن أحاول أن اخبر امي لكي تتصل بالصليب الاحمر أو الحكومة او اي شخص وترجوهم بإخراجنا من سوريا، فنحن نريد العودة للعيش في فنلندا، لقد عشت اربع سنوات ونصف السنة انا وأطفالي هنا، والآن اشعر بالندم لقدومي الى هنا لأنه لم يكن قرارا جيدا، ولا ارغب بالاستمرار بالبقاء، لكني لا استطيع أن أغير التأريخ”.
أما مريم (29 عاماً) فهي من القوقاز الروسية لديها ثلاثة ابناء هزيلين وبشعر خفيف، وهذا يدل على سوء التغذية الشديد، اصغر اطفالها (فاطمة) عمرها سنة، تراقب بحذر حركة امها وهي تُخرج قطعة خبز من كيس وزعته جمعيات المساعدة، فقد كانت خاملة جدا بسبب سوء التغذية ما منعها من البكاء والصراخ او حتى الوصول الى قطعة الخبز التي في يد أمها، فاطمة تشبه العديد من الاطفال الذين تركوا قرية باغوز بسبب داعش.
 
ضياع الطفولة
في الحروب يُجبر اغلب الاطفال على تولي مسؤوليات اكثر بكثير مما يتحمله اقرانهم من الاطفال الصغار، فهم لا يذهبون الى المدرسة ولا يلعبون مع اقرانهم في الساحات ولا يتعلمون كيف يصبحون اجتماعيين، لا يضحكون او يقهقهون كما يفعل الاطفال عادة، فهم يجلسون بخمول وبلا اي تعابير والصدمة واضحة عليهم، ليكونوا كما الشبابيك للإنسانية تظهر ما لا يمكن ان يتخيله احد عن الواقع الذي عاشه هؤلاء الاطفال خلال سني عمرهم الأولى، لان حياتهم وهم بعمر سبعة اعوام تحولت الى العناية بإخوانهم الاصغر سنا وتغيير حفاظاتهم وملاطفتهم والاهتمام بهم، لقد سُرق شبابهم وتركوا أهاليهم في جزء من سوريا.
وكان هناك في احدى ضواحي قرية الباغوز طفل لا يتجاوز عمره العامين او الثلاثة، عينه مربوطة بخرقة قماش اثر اصابته برصاصة نفذت من عينه وخرجت من رقبته، بحسب أمه التي لم ترغب بالحديث عن اي تفاصيل اخرى لأنه اصيب أكثر من مرة خلال هذه الحرب، التصق هذا الطفل بأمه في نهاية حاوية معدنية تشبه شاحنة النقل وهو ينتظر نقله الى مخيم الهول مع الدفعة الجديدة الموالية لداعش.
فما الذي سيحدث لنساء وأطفال مسلحي داعش الذين غُسلت ادمغتهم 
وأُعميت بصيرتهم بسنين من التطرف؟، وبعد ان أعلنت الكثير من البلدان بأنها ستسحب الجنسية عنهم ولن تسمح لهم بالعودة مجددا الى أراضيها. يبدو ان عشرات الآلاف من النساء والأطفال بعد فقدانهم الجنسية وعدم تبنيهم للإسلام المعتدل سيصبحون اكثر خطورة مما سبق.