أحمد عبد الحسين
كلمة العراق في مؤتمر السلام بالقاهرة أمسِ تليقُ بالعراق تاريخاً وموقفاً ومكانةً وثقلاً إقليمياً.
ففي الوقت الذي كانت كلمات الدول المتعاطفة مع الكيان الصهيوني الغاصب متوقعةً ومقروءة سلفاً لجهة انحيازها للقاتل وتنكيلها بالضحايا، كانت كلمات الدول العربية في أعمّها الأغلب تكراراً للغمغمة التي تريد حفظ حقوق «الجانبين» وتدين «الجانبين» في ذات الوقت، كما لو أننا أمام حرب متكافئة بين جيشين ينعدمُ فيها الخطّ الفاصل بين الظالم والمظلوم، وكأننا لسنا بإزاء حرب إبادة من قبل ترسانة أسلحة مهولة ضدّ نساء وأطفال يختبئون في مستشفيات وكنائس ومساجد ومدارس. كان العمى في الرؤية ينشر ظله على كلمات الحاضرين حتى جاءت كلمة العراق مبصرةً واضحة بلسان عراقي فصيح.
أعطى رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني في كلمته كلّ شيء اسمه الحقيقيّ، فقال: إن هناك كياناً صهيونياً يباشر حرب إبادة ويقترف جرائم مكتملة الأركان ضدّ الإنسانية، كما حذّر العرب من التمادي في التفاوض والصلح والتحدث باسم فلسطين، لأن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض والقضية. ولم يكتف بالدعوة لتقديم مساعدات لهم كما يكرر الجميع، بل اقترح إنشاء صندوق لدعم وإعمار قطاع غزة، وهو مشروع سيكون العراق أوّل المساهمين فيه كما كان أوّل الداعين له.
قوّة الخطاب العراقيّ أمس نابعة من قوّة موقفه تاريخياً من القضية الفلسطينية فهو لم يهرول إلى حفلات المصالحة والتطبيع ولم يكبّل نفسه باتفاقيات تجعله داخلاً في جوقة المغمغمين الذين يقولون الكلمة ونقيضها خوفاً أو طمعاً. باختصار شديد، كان العراقُ يتكلم كلام الحرّ الذي ليس في عنقه بيعة لأحد.
كلّنا يعلم أن هذه الأيام التي يحتدم فيها الصراع بين أخوتنا الفلسطينيين ومحتليهم الصهاينة ومن ورائهم دول عظمى، هي أيام مشهودة وستكون مفصلاً بين نظامين إقليميين وربما عالمين قديم وجديد، وسيحفظ التاريخ وقائع هذه الأيام وسوف يميّز مواقف من كان وفياً لضميره ومبادئه عن مواقف من ساوى بين القاتل والقتيل. كلمة السيد السوداني أمس أوضحتْ موقف العراق باعتباره أقوى وأبلغ وأصدق موقف لدولة ما تجاه فلسطين.