هل بنا حاجة إلى هامانات جدد؟

آراء 2023/10/23
...

 حسب الله يحيى 


يقال ـ والعهدة على القائل ـ إن الطاغية فرعون، كان يعدُّ نفسه إلهًا، وإن بإمكانه ان يحيي ويميت، وكان له مساعد يدعى (هامان).

وفي أحد الايام، قصدت امرأة عجوز قصر فرعون، وكانت تصرخ وتبكي بحرقة.. وعندما سألها الحراس عن سبب نحيبها قالت: إن عنزة لها كانت تدر عليها الحليب قد ماتت، وتريد من فرعون أن يحيي هذه العنزة! 

سمع (هامان) بأمر العجوز، فتوجه إليها مواسيا، وجاء لها بعنزة حية، وقال لها: خذي هذه العنزة يا أمي بدلا من عنزتك التي ماتت، وذلك لأن فرعون منشغل الآن بخلق الإبل.

رضيت العجوز بالعنزة الجديدة وذهبت وقلبها مملوء بالفرح. وعندما علم فرعون بما حلَّ بشأن العجوز، بعد موت عنزتها، سأل هامان:

ـ ماذا فعلت بأمر العجوز يا (هامان)؟

قال: اعطيتها عنزة حية، وقلت لها، لا وقت لفرعون الآن بإحياء عنزتك فهو منشغل الآن بخلق الإبل.

عندئذ عقب فرعون قائلا: آه يا (هامان)، كم أتعبني خلق الابل؟!

لم يسكت (هامان) وحاصره السؤال بإلحاح، فخاطب فرعون مبتسمًا وبجرأة قال: 

ـ على (هامان) ياسيدي فرعون؟! 

وقد استأثرت هذه الحكاية باهتمام اجيال متعاقبة، لما تحمله من أهمية ودلالات، وما يربطها من علاقات على ما نحن عليه الآن.

فنحن نجد كثرة من البشر، تقوم مهمتهم على تقليد عمل (هامان) ومسوغاته في الدفاع عن ولي نعمته بشتى السبل. وهذا ما يفعله عدد ممن يمارسون مهنة المحاماة في الدفاع عن موكليهم باختلاق مختلف المبررات لبراءة المتهم، في وقت تؤكد كل الأدلة على ضلوعه في القتل أو الفساد أو تناول المخدرات أو تزوير الوثائق أو أو... وذلك لقاء مال فاسد أصلا.

والسكرتيرة في دائرة ما.. تكتم أسرار مديرها العام إكراما لمكافأته، وحتى رئيس القسم، نجده في دفاع مستمر عن من تولى أمر تعيينه.. ومدير مكتب أي مسؤول، لا مهمة له سوى البحث عن ما يبرئ ساحة المسؤول عن نعمته..

وكذا الحال في أمور تتسع وتتشابك وتتفاعل أمام عدد من الكتاب والإعلاميين والسياسيين.. وحتى بعض دعاة الورع والتقوى؛ وهم في حالة الدفاع عن أخطاء أولياء أمورهم ونعمهم، والعمل على تبريرها وإيجاد مخارج لها، من دون أدلة ولا براهين.. وإنما هناك تعنت وتسويف وتسويغ ولوي عنق الحقائق، حتى يكون الباطل هو السائد!.

ولأن مقولات هؤلاء باتت واضحة ومكشوفة ومكررة، وتقابل من قبل أصحاب الحقيقة والحجة والبرهان والعقل الراجح.. للسخريَّة والاستهجان؛ لم يعد هؤلاء يخجلون أمام هذه السخرية بهم، لأنهم نشؤوا بلا كرامة أصلا، ولأنهم يعرفون أنهم يكذبون على الناس وعلى انفسهم كذلك..


فلماذا تأخذهم العزة بالنفس، ليعتذروا للناس عن أكاذيبهم، التي لم يعد أحد يصغي أو يهتم بها، وإنما بات أمر الواحد منهم لا يختلف أبدا عن مهمة (هامان)، ذلك الذي حرص على إسعاد سيده بابتكار الأكاذيب، ومعالجة الأمور بصور وأساليب الكذب هذه.

ومع علم هؤلاء النفعيين والمرتزقة الذين يدافعون عن الباطل ويهمشون الحقائق؛ أن أحدا لا يصدق بأقوالهم، إلا أنهم ماضون في هذا الاتجاه، لسبب واحد هو أنهم لا يجدون سبيلًا لمصدر الرزق هذه، إلا عن طريق هذا الأداء الكاذب، ولا عليهم أن كذبهم الناس وسخروا من أقوالهم. فالناس لا يدفعون إليهم، ما يتولى دفعه هذا المسؤول أو ذاك،او هذه الجهة أو تلك..

المهم أن يقبضوا ما أحلَّ لهم من نعم مالية، وما منحهم من وجاهة اجتماعية زائفة وإن كانت على طريقة شخصية (هامان)، ذلك أن (هامان) هذا كان ذكيًّا وبارعًا في اكتشاف النفاق والزيف الاجتماعي والسياسي، ومثل هؤلاء.. موجودون في كل المجتمعات وكل الظروف والأزمنة، لكن أن يتحول هؤلاء إلى مصدر (توعية)، ولو زائفة و(مرجع أومصدر) معلومة وإن كانت كاذبة، فهذا ما ينبغي فضحه وكشفه وادانته.. بدءًا من أصغر حال إلى أوسع وأكبر وأمضى من كل حال.