فراسة السيد المدير

آراء 2023/10/23
...

 ميساء الهلالي 


قد تبدو معروفة للكثيرين تلك الحادثة التي رواها أحد المدراء على منصات التواصل الاجتماعي متحدثا عن أحد موظفيه الأكفاء، الذي أسهم دومًا من خلال كفاءته بإدخال أرباح للشركة، ولأنه يعلم بحجم خدماته تخيل أن مكانته لدى السيد المدير مختلفة، وطلباته ستكون مجابة، ولكنه اصطدم بواقع معاكس لتوقعاته، عندما طلب إجازة من مديره لغرض قضاء أسبوع مع الأصدقاء بعد موسم طويل من العمل، ولكن الأخير رفض طلب الإجازة مما حدا بالموظف إلى تقديم إجازة مرضية مرفقة بالتقارير الطبية، فإستشاط المدير غضبا، لأنه يعلم تمام العلم أن الموظف ما هو إلا كاذب ومراوغ، ولأن المدير لا يتقبل فكرة أن يكون غبيًّا، فقد عمل على انتظار الموظف منذ الصباح الباكر عند باب بيته، وبمجرد خروج الموظف حاملا حقيبة السفر فوجئ بوجود مديره، الذي نظر إليه باستهزاء معلنا انتصاره مما حدا بالموظف إلى تقديم استقالته، ردًا على الموقف المحرج الذي وضعه مديره فيه.. وفي تلك اللحظة شعر المدير بالندم لأنه أقدم على هذا الفعل، فقد خسر موظفا مجتهدا فقط ليثبت له ولنفسه بأنه أذكى من أن يتلاعب به مجرد موظف، ولكنه كان قادرا على التغاضي ومنح الموظف إجازته التي يحتاجها، ليشعره بالتقدير والشكر لكل الخدمات التي يقدمها 

للشركة.

هنا نجد العقدة التي بسببها نشهد الأداء المتردي للكثير من الموظفين.. إذ تكمن العبرة في الأداء ونوعه، لا في الوقت الذي يقتله الموظف في داومه، لمجرد الالتزام بتوقيت الدوام الرسمي.. فالمساحة التي يمنحها المدير لموظفيه الأكفاء تمنحهم قدرة أكبر على تقديم أداء أفضل، فليس التواجد لست أو سبع ساعات متواصلة في موقع العمل، هو الذي سيخلق دافع الإبداع لدى الموظف، بل لا بد من توظيف القدرات بشكلٍ جيدٍ وتفعيل عنصر المكافأة المادية أو المعنوية... فالإنسان مهما بلغ من العمر يبقى الطفل في داخله، يبحث عن المكافأة بعد العمل الجاد، كالتلميذ الذي تعده والدته بشراء اللعبة، التي يحبها أو الخروج في نزهة إن تمكن من إحراز درجات جيدة.. فكل موظف سواء في القطاع الحكومي أو الخاص يحتاج إلى تقدير لجهده، لأنه كمية الضغط أحيانا تولد النفور، وبالتالي ينخفض مستوى الأداء، وهذا الأسلوب الجديد بدأت تتبعه بعض الدول المتقدمة، وعدد من دول الخليج والتي تكافئ الموظف المجد بشتى الطرق، سواء بعدم إلزامه بساعات عمل معينة أو منحه إجازة بعد فترة من العطاء، وربما تكون هناك مكافأة مادية تشعره بقيمة ما يفعله.

نحن نحتاج إلى موظفين مبدعين أكثر من حاجتنا إلى موظفين متواجدين لساعات طويلة تحت ضغط كبير، وهذا يعود إلى سياسة حكومية، يجب أن تتبعها الجهات المعنية بتغيير أسلوب العمل والتركيز على النوع لا الكم، والتعامل مع الموظف كإنسان لا كآلة.