د.جواد الزيدي
تنطوي فكرة الزي الموحد في المدارس، أو الجامعات على عدم التمايز والمساواة الطبقية التي ينتمي اليها الطلبة، بعيداً عن البهرجة والمغالاة في استعراض القيم المادية للمجتمع، فضلاً عن تكريس فكرة رئيسة تكمن في احترام الحرم الجامعي بحكم اشتراطاته الخاصة، ضمن سياقات محددة يجب تطبيقها على الجميع من دون أدنى استثناءات سواء كان ذلك في المراحل الدراسية الابتدائية والثانوية، أو المرحلة الجامعية.
وعلى الرغم من ثبات الألوان والأنماط في التعليم الأولي، إلا أنها تنفتح بعض الشيء في التعليم الجامعي من خلال تعدد الألوان والأنساق المسموح بها المكونة للزي مع المحافظة على الجوهر، الذي تمت صياغة هذا الزي على أساسه.
ويتم تطبيق هذه الأنظمة في كل مؤسسات العالم التعليمية، وليس اختصارها على بقعة معينة منه، فضلاً عن هذا فإن اصطفاء الألوان والأنواع تمت دراستها بشكل يُمكن الاشادة بها، من حيث المواءمة مع المناخ، أو جماليات العلاقة بين أجزاء الزي نفسه، حيث تم اختيار اللون الأبيض للجزء العلوي (القميص)، الذي ينسجم مع جميع الألوان في الجزء الأسفل (البنطلون أو التنورة، أو الصدرية) وتعدد الخيارات فيها بين (الأسود، والنيلي، والقهوائي، والرصاصي)، وقد تكون جميع الألوان التي تصلح لهذا الجزء من الزي، بما يحقق الوظائفية المطلوبة المؤدية في النهاية إلى قيم جمالية تكمن في هذه العلاقة التضاديَّة التبادلية.
ولقد دأبت إدارات المدارس بمستوياتها التعليمية المتعددة، كما هو الحال نفسه في ما يخص الإدارات الجامعية أيضاً على مراقبة هذا الأداء والحرص على تطبيقه، وكان العراق من بين البلدان التي التزمت بهذا التطبيق وعدم تجاوزه، بوصفه قانوناً بديهياً مُلزماً للجميع، يجب الالتزام به منذ الأيام الأولى للدراسة، بوصفه من أولى بلدان الشرق الذي توافرت فيه الحياة الجامعية والأداء النوعي لمخرجاته، من خلال عراقة بعض جامعاته التي بدأت مع بداية الدولة العراقية الحديثة قبل قرن من الآن في عشرينيات القرن الماضي.
لكن الغريب في الأمر أن بعض الجامعات عادت مؤخراً إلى تطبيق الزي الجامعي الموحد، بما شكل علامة لمهنية هذه الجامعات واستقلاليتها في القرار، على الرغم من ارتباطها الإداري بالمؤسسة الحكومية العليا (الوزارة)، لكنها حاولت تصحيح المسار المنحرف على مستوى المناهج والمستلزمات الدراسية، ومنها الزي الجامعي، بما يحقق المساواة بين الأفراد، اذا ما عرفنا أن بعض الطبقات الاجتماعية التي ظهرت للعلن في الألفية الثالثة أفادت من ممكنات الدولة ومواردها وامتلكت رؤوس أموال كبيرة انعكست في طبيعة حياتهم المعاشية مثل الزي والاكسسوارات وعجلات الاركاب الفارهة، التي يفتقدها الآخرون.
وعلى الرغم من التساهل الذي يحدث، الا أن ضبط الأُصول في هذا المجال كان واضحاً لدى البعض خارج جامعات بغداد تحديداً، حيث استثمرت هذه الأخيرة (جامعات بغداد) هذا التغاضي والتساهل، وهذه الفسحة لتوظيفها بشكل سيئ، حتى وصل الأمر إلى الاستهزاء بمعايير الدرس العلمية وشخصية الأستاذ، وحضور بعض الطلبة والطالبات بأزياء المنزل والمناسبات الخاصة مثل (البرقع، والخمار، والعباءة، والتراكسوت) داخل الصف الدراسي، وهو ما تدينه اللوائح والتعليمات الجامعية سواء كان ذلك في الدرس اليومي أو في الامتحانات النهائية.
وإن هذا لم يحدث في الحرم الجامعي المحترم، لولا التخادم الذي يحصل بين الجهات السياسية التي ينتمي اليها الطلبة أو يتعاطف معها ويعدها رصيده الحقيقي في التعاملات اليومية، والهيئات الإدارية بمستوياتها المختلفة، بدءاً من الوزير وصولاً إلى رئيس القسم العلمي أو بعض التدريسيين، الذين يغضون الطرف عن تلك المخالفات، مما يخلق سياقاً منحرفاً ممكن أن يصبح قانوناً أو من الثوابت في الأيام القادمة، مثلما يشيع البعض بأن هذا الزي هو زيهم الشعبي الواجب الأخذ به مسلمة يجب التعامل معها على أنها واقع مفروض على المؤسسة الجامعية، على الرغم من عدم وجود أية اشارة له في العمل الجامعي، وينسحب مثل هذا السلوك على الأداء الجامعي ومستوى التعليم وانحداره، وعدم الاعتراف بالشهادات التي تمنحها الجامعات العراقية (مثلما يحدث الآن)، من خلال التجاوز على القوانين واللوائح الجامعية التي يرتبط بها الزي في أبسط توصيفاتها، فضلاً عن الاستثناءات والارتجال في القرارات التي أدت إلى هذا الانحدار الذي بدا واضحاً على مستوى الأداء ومخرجات الجامعة العلمية.