حمزة مصطفى
في قصيدته «يوميات جرح فلسطيني» المهداة إلى فدوى طوقان «توفيت عام 2004» يقول محمود درويش «توفي عام 2008»، الذي دخل تاريخ الأدب العربي والإنساني بوصفه (شاعر المقاومة الفلسطينيَّة ) «آه يا جرحي المكابر.. وطني ليس حقيبهْ.. وأنا لست مسافر.. إنني العاشق, والأرض حبيبهْ». وبالرغم من أن أدب المقاومة الفلسطينيَّة يصنف على أنه واحد من أهم آداب المقاومة في العصر الحديث، فإن أهم ما يميزه سواء لدى فدوى طوقان ومجايليها أو محمود ومجايليه، إنه بقدر ما ارتبط بالضمير والوجدان العربي والإنساني، فقد ارتبط بالتحولات السياسية، التي مرت بها القضية الفلسطينيَّة، طوال الـ 75 سنة الأخيرة من نكبة 1948 إلى نكسة حزيران 1967 إلى انتصار أكتوبر 1973 المنقوص إلى مسلسل التسويات المعروف، وصولا إلى لحظة غزة الفارقة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي (2023). فقصيدة محمود درويش «يوميات جرح فلسطيني» المهداة أصلا إلى فدوى طوقان، ردا على قصيدتها «لن أبكي»، التي كتبتها عام 1968 بعد عام على نكسة حزيران تجسيد للعلاقة بين ما هو سياسي، وما هو وجداني عاطفي وما يمكن أن يعبر عنه الشاعر من مشاعر وأحاسيس حيال ما يجري وما يراه أمام عينيه، لا سيما بعد نكسة حزيران التي كانت لحظة فارقة في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني.
ومع أن الشاعر بقي وفيًّا لقضيته مدافعا عنها بكل ما يستطيع، محاولا خلق لحظات فرح وانتصار في ظل الهزائم، التي تكررت من خلال تجسيد فعل المقاومة, فإن مساحات التأثر والتأثير، أخذت تأخذ صيغا وأشكالا مختلفة، لا سيما بعد ما بدا أن ماهو سياسي قد طغى على ما بدا فعلا نضاليا، تحركه القصيدة في الوجدان الشعبي المقاوم. ولعل ما يمكن ملاحظته على هذا الصعيد هو ماحصل في ما بعد على صعيد المفاوضات، التي جرت بعد حرب 1973 بين مصر وإسرائيل أولا، ومن ثم بعدها بسنوات بين الفلسطينيين والإسرائليين، بدءا من أوسلو وما تلاها بدأت تضع القضية الفلسطينيَّة في ميزان المساومات السياسية. ولعلَّ ما يجري اليوم من قبل جهات عربية ودولية في ظل ماحصل بعد عملية «طوفان الأقصى» هو التعامل مع القضية الفلسطينيَّة من منطلق تجزيئي، قوامه كيف يمكن حل مشكلة النزوح.. هل إلى صحراء سيناء أم النقب؟ وهل المطلوب هو كيفية إيصال الماء والغذاء من معبر رفح إلى أهالي قطاع غزة، بصرف النظر عن أصل الموضوع، وهو الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينيَّة والعربية في دول أخرى؟.
في هذا السياق يبرز الموقف العراقي الأكثر جذرية ووضوحًا عن بقية المواقف، التي يبدو أنها انخرطت جميعا في كيفية مساعدة أهالي غزة المحاصرين، بدلا من البحث عن حل للسبب، الذي أدى إلى محاصرتهم ليس اليوم بل منذ أكثر من 7 عقود من الزمن؟ في مقاله الذي نشره في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «وقف الحرب على غزة أولوية للعراق»، يلخص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني رؤية العراق بالقول «العراق يرفض رفضاً قاطعاً أن تتحول القضية الفلسطينيَّة، من قضية أرض وشعب إلى قضية نزوح ومساعدات إنسانية.» بهذه العبارة المفتاحية المهمة أعاد السوداني القضية الفلسطينيَّة إلى جوهرها الحقيقي، ووهجها في الوجدان العربي والإسلامي بل والإنساني. فالسوداني في هذا المقال كرس جوهر الموقف العراقي حيال فلسطين منذ 1948 إلى اليوم باختلاف الأنظمة، التي مرت على البلاد ملكية أم جمهورية، والذي يتلخص بأحقية الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف. ثبات الموقف العراقي حيال قضية فلسطين مثلما عبر عنه مقال السوداني، ينسجم مع سلسلة الرؤى والمواقف العراقية الشعبية، التي لا تساوم على ما كان، وستبقى قضية العرب المركزية أيا كانت الخطط والمساومات والتسويات.