الحروب لإنقاذ أميركا

آراء 2023/10/24
...

سناء الوادي

يراودني شغف كبيرٌ كما ويراود الكثير من المتابعين باهتمام لمجريات الأحداث مؤخراً على الساحة الدولية، والتي تنبئ بانزلاق الدول لحرب عالمية ثالثة، لسبر الدافع الخفي الذي تبطنه بلاد العم سام وراء تواجدها في خطوط الدفاع الأمامية عن شعوب ليست بشعوبها ولا تجاورها ولا تدخل ضمن إطار أطماعها الاستعماريَّة ومبررات الديمقراطيَّة والحرية، وحماية حقوق الإنسان لا تشملها، فالولايات المتحدة الأميركية تعمل جاهدة على إثارة النزاعات العرقية أو الطائفية في البلدان النامية، كما أنها تلهث وراء إشعال فتيل الحروب هنا وهناك.
في معرض محاولاتي العديدة لمعرفة ذلك الدافع استوقفتني مقولة كتبها الاقتصادي الشهير «مالتوس»، بأن الحروب والأمراض والمجاعات هي حلول النظام الرأسمالي للتغلب على أزماته الدورية.
قد يكون في هذه الكلمات مفتاحٌ للجواب إذا ما عدنا إلى المفهوم الماركسي للرأسمالية لفهم العلاقة بين الحرب والرأسمالية، على اعتبار أميركا هي المعقل الأساسي للنظام الرأسمالي فضلاً عن الدول الأوروبية والقسم الشرقي من دول العالم، ذلك المفهوم يربط وثيقاً بين الأزمات الاقتصادية التي تفتعلها هذه الأنظمة، لأنها مدفوعة بقوانين انخفاض معدلات الربح وتراكم رأس المال وتدني المنافسة، ففي كتاب الرأسمال أوضح «كارل ماركس» أنَّ ما يرعب الرأسمال هو غياب الربح، بيدَ أن « لينين» أضاف لها قانون الإمبريالية الرأسمالية، الذي نتج عن القوانين السابقة، وهو ما يدفع دول للسيطرة على أخرى لاستثمار ثرواتها وتحويلها لأسواق، وهذا بالضبط ما يحافظ على استمرارية الرأسمالية.
إنَّ ما جزم به غالبية المؤرخين للحربين العالميتين السابقتين، كان حول أهم النتائج التي تمخضت عنها المتمثلة بالانتعاش المالي والاقتصادي على إثرها، ليعود ويعصف بعد ذلك الركود والتباطؤ في النمو الاقتصادي في فترة الثمانينيات بالدول الرأسمالية، وهو ما دفع أميركا آنذاك لحرب الخليج واشتعال الجبهة في غرب الاتحاد السوفياتي، ودعم الدول التي انفصلت عنه عقب انهياره، حتى أن البعض من المحللين السياسيين يشكك في ماهية أحداث الحادي عشر من سيبتمبر في أميركا، وأنها من تدبير الدولة العميقة لتبرر للعالم حربها على أفغانستان، ومن ثمَّ غزوها للعراق وما أعقبه من الدخول في النفق المعتم للأزمة المالية في عام 2008، حيث أفضى بربيعٍ عربي زائف مصطنع بحنكة وخبث بعثر شتات دول مرت رياحه المسمومة فيها، وما عاناه العالم أجمع لعامين متتاليين من فيروس مشكوك بصناعته وانتشاره، جعل الناس حبيسي البيوت وأغلق شركات عملاقة، لينهض على إثره نظام مالي كسر الحدود وتجاوز الدول بعولمة مالية تدر أرباحاً طائلة دون الحاجة للعجلة الإنتاجية التقليدية، فالمال هنا هو المنتَج وهو المربح.
وغيرُ خافٍ على أحد أن واشنطن هي من أشعلت الصراع الدامي في أوكرانيا واستجرّت الدُّب الروسي للانقضاض عليه، ولم تكتفِ بذلك ففي هذه الأيام نشهد دعماً غير مسبوق منها لطفلها المدلل وذراعها الخبيث «إسرائيل» الذي زرعته في الجسد العربي، وتحابيها في ذلك الدول الغربية، فتكيل بميزان ينافي العدالة وتضرب بسوط أسلحتها وإعلامها الحق الفلسطيني في الأرض وتمهّد البيئة لإشعال حرب إقليمية في المنطقة العربية تتدخل فيها أطراف عدّة. وبالعودة خطفاً للأيدي الخفية التي تدير النظام الرأسمالي فإن الاقتصادي الإنكليزي الشهير جون مينارد كينز، أشار إلى أن الحل للأزمة الهيكليَّة في داخل هذا النظام المتمثلة بتراكم الإنتاج بعد الثورات الصناعيَّة، وما قابله من انخفاض في الطلب هو التدخل الحكومي الذي أوضحه الأمريكي غيلبرث بضرورة خلق شراكات بين رجال السياسة والصناعة العسكريَّة، وبمعنى أكثر دقة، فالحل هو الحروب التي تعتبر الآلية الفعالة لتنشيط الاقتصاد.
ولربما هذا يقدّم تفسيراً منطقياً لاتفاق الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض على أهمية الانخراط في الصراعات حول العالم، فما هذه الإدارات إلا أدوات تنفذ رغبات الدولة العميقة التي تلاعب العالم بذرائع واهية، فالساحة الأوكرانيَّة المشتعلة، أصبحت مضخّة لضخ الدماء في عيون النظام الرأسمالي في حرب قد يطول أمدها ما يعنيه تدمير البنى التحتية وإعادة عجلات شركات السلاح للدوران وبكثافة، وهذا ما ينطبق على الدعم المطلق لإسرائيل للدخول في صراع شرق أوسطي يضرب الاستقرار والنهوض الاقتصادي الذي تنشده المنطقة، وكانت قد خطت بأولى خطواته الفعلية، ناهيك عن تعطيل المشروع الصيني بطريق الحرير العدو الأول لواشنطن حسب توصيفها وإفشال التطور الاقتصادي لروسيا وإنهاكه، خاصة بعد نجاحه في دحر التواجد الغربي في الكثير من معاقله في الدول الإفريقية وما يؤسسه مع بكين لنظام عالمي أكثر عدلاً متعدد الأقطاب.
ومن هنا فإنه كل من يتهم العم سام بالتورط بحروب عبثية أنا اختلف معه، فالعبثية غير موجودة عند العقل المدبر، الذي يدير العالم ككل وفقاً لمصالحه، الحروب العبثية هي من أنقذت الاقتصاد الرأسمالي من الهزات القوية التي كادت أن تنهيه.

 كاتبة سورية