عدنان حسين أحمد
على الرغم من الموضوع المحدد لمحاضرة المخرج والفنان سعدي يونس التي نظمت على هامش الدورة الرابعة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح 2023م تحت عنوان «تجربتي مع الفضاءات المفتوحة» إلا أن المحاضر تشعب في الحديث عن تجربته في التمثيل، وكتابة الشعر، والإخراج السينمائي، فهو، والحق يقال، فنان متعدد المواهب والاهتمامات فهو ممثل، ومخرج، وشاعر، وحكواتي، ويجيد اللغتين الفرنسية والإنگليزية، ويكتب بهما، ويترجم منهما وإليهما بلغة سليمة ناصعة فلاغرابة في أن ينتقل من موضوع إلى آخر من دون أن يمهد لهذا الانتقال.
الأمر الذي صعّب على الدكتور علي الربيعي ضبط إيقاع المحاضر ودوزنته باتجاه «الفضاءات المفتوحة» التي يقصد بها «مسرح الشارع أو المقهى» أو أي مكان عام.
فعندما عاد الدكتور سعدي يونس من باريس في أوائل السبعينات وتعرّف هناك على مسرح الفضاءات المفتوحة أراد أن ينقل هذه التجربة إلى العراق خاصة وأنه شعر بأنّ الحركة المسرحية في العراق كلاسيكية وتحتاج إلى نوعٍ من التجديد، فقرر أن يعمل مسرحًا جديدًا لجمهور جديد يشكّل غالبيته الناس البسطاء الذين لا يرتادون المسارح مثل العمّال، والباعة المتجولين، وأصحاب المهن الحرة.
أوردَ سعدي يونس في محاضرته أكثر من عشر مسرحيات لكننا سنتوقف عند ثمانٍ منها لأنه قدّمها في فضاءات مفتوحة وأولها «الاستعراض الكبير» التي أثنى عليها الفنان المصري محمد توفيق، وثاني هذه الأعمال هي مسرحية «يوميات مجنون» لغوغول، ثم تتابعت أعماله الأخرى مثل «الدربونة» التي حضرها ما يربو على الألف متفرج وظلوا يصفقون لهذه المسرحية التي نالت إعجابهم، و»صوت مصر» لألفريد فرج التي عرضها في سجن «أبو غريب» وتفاعل معها السجناء.
يتذكر الكثير من المثقفين العراقيين مسرحية «ملحمة گلگامش» التي قدّمها في حديقة اتحاد الأدباء في بغداد وجسّد فيها سعدي يونس 16 شخصية من دون أن يعرف الجمهور أن الذي يقف خلف تلك الأزياء والأقنعة هو الممثل والمخرج نفسه الذي استطاع أن يتقمّص الأدوار كلها ويقنع جمهور النخبة الذي كان يرتاد مبنى الاتحاد آنذاك.
ثم قدّم مسرحية «حكاية الفلاح عبد المطيع» للكاتب المصري السيد حافظ في مقهى الصالحية ببغداد وفي مدينة المحمودية، وترك بصماته على الأطفال واليافعين الذين أصبحوا فنانين لاحقًا. لم يكتفِ سعدي يونس بالمناطق المحيطة في بغداد وإنما اتجه إلى المحافظات الجنوبيّة حيث قدّم مسرحية «الشهداء ينهضون» في البصرة وقد اعتمد في تقديمها على الإيحاء أكثر من اعتماده على الواقعية البحتة مستمدًا رؤيته الجديدة من المخرج المسرحي الفرنسي جاك لوكوك الذي يركز على «الواقعية الجسدية وشعرية الحركة» بينما كان الأستاذان إبراهيم جلال وجعفر السعدي يعترضان على تقنية الأقنعة والبانتومايم ويتشبثان كثيرًا بتقنيات ستانسلافسكي. ثم توقف يونس عند «مسرحية أبو الأمين الخليع والجارية شموس» لنواف أبو الهيجا التي استوحاها من «ألف ليلة وليلة» التي قوبلت باستحسان الجمهور ولفتت انتباه النقاد الذين كتبوا عنها بشكل جيد ومستفيض. أثارت المحاضرة ردود أفعال كثيرة لعشرة أساتذة ونقاد وأكاديميين من بينهم د. عقيل مهدي، والفنان محمود أبو العباس، و د. حسين علي هارف، وحامد فؤاد، و د. بشار عليوي، و د. جبار خمّاط، وحيدر الشطري وغيرهم. وقد أشار أبو العباس إلى أن النقاد والمتابعين لم يؤرشفوا لتجربة رحيم ماجد وآخرين اشتغلوا على مسرح الفضاءات المفتوحة، كما لم يؤرشفوا لمسرح «المضيف» الذي ابتكره أبو العباس نفسه. وأشار الناقد حسين علي هارف إلى تأثره بسعدي يونس وتوقف عند مسرحية «ملحمة گلگامش» وما تنطوي عليه من مغامرة وابتكار. فيما ذهب د. بشار عليوي إلى أن تجربة رحيم ماجد قد سبقت تجربة يونس وأنه قدّمها في الشارع والمقهى وسيارات الـ OM الذاهبة من الديوانية إلى السماوة واعترض على توصيف يونس بأنّه فنان منسي ويعاني من القطيعة من قِبل القائمين على المشهد المسرحي العراقي والدليل أن المتحدث قد كتب عنه، كما كتب عنه مقدم الندوة الدكتور علي الربيعي، فيما ذهب الكاتب حيدر الشطري إلى أن مسرحية “البسامير” لسعد الدين وهبة وإخراج وجيه عبدالغني هي الأسبق حيث قُدمت في قضاء الشطرة سنة 1968م كأنموذج لمسرح الشارع الذي يتيح لهم مساحة أوسع من الحرية والتواصل مع الجمهور.
وقد ختم د. سعدي يونس حديثه بالقول إن المشكلة ليست في الريادة وإنما في منْ يضع أسسًا حقيقية لهذا النوع من المسرح الذي أعتقد بوجوده منذ آلاف السنين حتى يوم الناس هذا.