علي حسن الفواز
كشفت الأرقام التي تتداولها المنظمات الدولية عن رعب جريمة ما يحدث في غزة، وعن طبيعة التدمير والخراب الذي يدخل في سياق جرائم الحروب التي ترفضها المواثيق الإنسانية، وتُعاقِب عليها المحاكم الدولية العدلية والجنائية، لكنها للأسف تجدُ تعتيماً وتغطية سياسية من قبل دول المعسكر الغربي، وكأن ما يحدث من قتل وتهجير وعنف تُبرره تلك الدول بوصفه "دفاعاً عن النفس"، وبمعايير مزدوجة في النظر بقضايا أخرى، تتعامل معها بهوسٍ إعلامي وبصخبِ مَنْ يدافع " ليل نهار" عن أطروحات الحداثة والديمقراطية والحقوق، وبما يجعلها قيماً مشكوكاً بها، وتتطلب كثيراً من المراجعة والنقد.
أرقام الضحايا الشهداء تتصاعد بين الأطفال والنساء الشيوخ، ويكشف تصاعدها عن مستوى خطير لتغوّل الجريمة الإسرائيلية، فضلاً عن تصاعدٍ في أرقام النازحين عن منازلهم قسرياً مع عدم وجود أماكن إيواء بديلة، والتي لم تكن بعيدة عن القصف العدواني، ولعل جريمة قصف مستشفى المعمدانية تعد دليلاً على الاستخفاف بحيوات المدنيين من النساء والأطفال، وعلى عنصرية هذا العنف، وعلى أهدافه الاستئصالية.
ما تداولته بيانات إعلامية عن استشهاد 1023 من النساء، ونزوح نصف مليون امرأة عن منازلهن، يُثير جدلاً حول هول الجريمة الإسرائيلية، وعن الجهات الغرب أميركية التي تقف وراءها بالدعم العسكري واللوجستي، فضلاً عن تسجيل أكثر من 1000 أرملة كما يقول تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وهي أرقام تعززها البيانات التي تصدرها الجهات الرسمية للضحايا، حيث استشهد أكثر من 4651 بينهم 1873 وعن آخرين مازالوا في عداد المفقودين، فضلاً عن 14245 من المصابين الذين يمكن أن يفقد كثير منهم الحياة أو يصابوا بإعاقات دائمة.
هذه الأرقام هي وثائق إدانة وتعرية للتوحش الإسرائيلي، وتغطية على أصل الجريمة الذي يكمن في الاحتلال، وفي استمرار سياساته العدوانية التي تسعى عبر لعبة الحروب الدائمة إلى محو الذاكرة الفلسطينية، وإلى تكريس سياسة التهويد العنصرية على الواقع الفلسطيني، مقابل فرض أطروحات نظرية "الغلبة الأمنية" المدعومة من الولايات المتحدة والغرب، والتي جعلت من الكيان الإسرائيلي بؤرة لسياسات وتوجهات " دولية" تقوم على خلط نزعات السيطرة، والتطويع، بنزعات " التطبيع" مع الأمر الواقع، والقبول بالحلول الرثة التي تحتال على الحق والتاريخ، وعلى الخصوصية العربية والإسلامية للأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين في القدس الشريف وفي بيت لحم
وغيرها.