أحمد عبد الحسين
القضاء على منظمة حماس هو الهدف المعلن للعدوان الصهيونيّ على غزة.
لكنّ كل ما يجري الآن يشير إلى أنّ ما هو معلن مجرد إعداد ثانويّ لهدف لا يفصح عنه الساسة الإسرائيليون ولا قادة جيشهم برغم أنّ الوقائع اليوميّة لآلة العنف والهمجية تعلنه بشكل لا لبس فيه.
العنوان هو حملة إبادة جماعيّة. الإسرائيليون مغرمون بتكرار العنف الذي سُلّط عليهم، مفتونون بتجربة ما جُرّب بهم، لأنهم يرون أن الحدّ الأعلى لما يمكن أن تكون عليه الإبادة والترويع وسحق الإنسان والتنكيل به، هو ما اختبروه في الهولوكوست زمن النازية.
منذ تأسيس إسرائيل وفي أذهان مؤسسيها نموذجان يرغبان عن وعي أو لا وعي في إنزالهما من أذهانهم إلى الأرض: الأول نموذج "الغيتو" أي المكان المحصّن الذي يحمي اليهود من شرور الأغيار، تسييج مناطقهم الخاصة والعيش في معزل عن العالم، وهو نمط العيش الذي دأبوا عليه عبر التاريخ في أوروبا ولاحقاً أميركا. أما النموذج الثاني فهو المحرقة التي هي عندهم أقصى عذاب يمكن أن يختبره البشر، وهو ما يتفننون في إيقاعه بأعدائهم مستلهمين في ذلك العذاب الذي أوقع عليهم.
لم يعد الأمر في غزة صراعاً فلسطينياً إسرائيلياً كما تشيعه وسائل الإعلام، فالعنف في آخر الأمر تحدّده وتفهرسه الأدوات التي تُستخدم فيه كما أشارت حنه أرندت. ولا يمكن تسمية ما يجري على المدنيين في غزة صراعاً وحرباً إلا بمقدار ما يمكن أن نسمّي المحرقة حرباً بين الجيش الألماني واليهود.
هذه ليست حرباً. هذه محرقة. وحين تكرر إسرائيل محارقها بين فترة وأخرى فإنها تريد استئصال ذكرى المحرقة الأصلية التي اختبروها من جهة، وفرض النازع العنفيّ في أقصى مدياته التي يمكن أن يصل إليها المخيال اليهودي.
لا ننسى أن "هولوكوست" هذه الكلمة الإغريقية التي هي حرفياً "الحرق الكامل" وتعني القربان، ذات منشأ دينيّ وقد تخللت الوجدان الإسرائيليّ عميقاً فصارت الصورة الطبيعية لما يجب أن يحدث لكلّ خصومهم.
الإسرائيليّ مفتون بهولوكوسته الخاصّ، وهو ينشئ كلّ حين قيامات صغرى يمنحها لأعدائه بانتظار القيامة الأكبر، لكنه لا يتخيّل القيامة على هذه الشاكلة، على هيأة محرقة جماعية خرج منها فأصبح بارعاً في إشعالها.