عفاف مطر
من يقرأ كتاب الجمهورية لأفلاطون يعرف أنه معادٍ راديكاليّاً للديمقراطية، وكان رأيه هذا قائماً على وضع اثينا حينها. يرى أفلاطون أن الديمقراطية مبنية على أساس مصالح فئوية وفردية لبضعة أشخاص يعانون من ضيق الأفق ويغيب عنهم مفهوم وأهمية مصلحة الدولة ينتخبهم مجموعة من الجهلة والمتسلقين، ومن رأي أفلاطون في الديمقراطية أطر هيغل مفهومه للدولة القائم على أن الأولوية للمصلحة العامة. أنتقد أفلاطون النظام الديمقراطي لأنه رأى أنه موجه لصالح مجموعة من الأفراد يخدعون مجموعة كبيرة من الجهلة والرعاع (حسب تعبير أفلاطون ) تحت وعود مستقبيلة ( سوف نعمل لكم .. سوف نحقق لكم ... سوف نبني لكم... الخ ) وغالباً هذه الوعود لا تتحقق.
في المجتمع الأثيني بالرغم من صغره إلا أن حق الترشح كان مسموحاً لفئة معينة فالعبيد والنساء والفلاحين والمحاربين والتجار لم يكن لهم حق الترشح وإنما كان يقتصر على طبقة النبلاء، ومع ذلك كان كل مرشح يخاطب مجموعة معينة من الشعب، والمرشح الذي يقدم أمتيازات أكثر لمجموعته يفوز، وبهذا يرى أفلاطون أن تقسيم المجتمع لمجموعات باسم الديمقراطية والانتخابات يزيد من التنافر بين أفرادها، وهذا كله يؤدي في النهاية الى انهيار الدولة، لأنها ستصبح تحت حكم شخص متلاعب أو دجال خدع مجموعة من الاغبياء بتقديم امتيازات فردية لاتخدم باقي المجموعات التي تتكون منها أثينا، وغالباً تكون رغبات ونزوات الأفراد قائمة على أساس مصالح آنية شخصية وليس على مستقبل الدولة على المدى الطويل؛ لهذا كان أفلاطون ضد هذا النوع من الحكم، وكان يدعو الى أن قيادة الدولة يجب أن تكون من مسؤلية مجموعة مدربة على قيادة وحكم الشعب، مجموعة حكيمة لاتنصاع لرغبات ونزوات الأفراد، ووضع لهذه المجموعة شروطاً قاسية جداً، كأن لا يتزوجون ولا يستعملون المال لمصالحهم الخاصة وأن لا يكونو من طبقة التجار، بل هي مجموعة نخبوية تخضع للتدريب لمدة لا تقل عن ثلاثين سنة، تدريب يبدأ من من قاع المجتمع من طبقة المكاريد ويتدرج الى قمة الهرم حتى يكون قد ألّم بكل فئات المجتمع ومشاكلها واحتياجاتها. الحكومة التي يدعو اليها أفلاطون تقسم الى مجموعتين، مجموعة تحكم وتسن القوانين والدستور ومجموعة من الخبراء يقدمون المشورة، أما الديمقراطية فيرى أنها اختيار الرعاع لاسيّما في المجتمعات المتخلفة والفقيرة، ونراه اليوم واضحاً بين الديمقراطيات العربية والغربية، فنجد المرشح في أي جمهورية عربية يقدم في جولاته الانتخابية سلة غذائية أو بطانيات في الشتاء أو حتى مبالغ عينية، بينما في الجولات الانتخابية في الدول الأوربية يقدم المرشحون برامج انتخابية يحاسبه الشعب فيما بعد أذا تقاعس عن تنفيذ وعوده لكنها أيضاً قائمة على قدرة المرشح في الصرف على حملته الانتخابية فصاحب الحملة الأقوى عادة هو الذي يفوز، وهنا قد يتسائل سائلٌ من أين لهم كل هذا المال الذي صرف على حملاتهم الانتخابية؟، ومن هنا نفهم لماذا أفلاطون كان ضد الديمقراطية لأنها تشتري الأصوات لصالح أي مرشح حتى لو كان فاسداً. أنظمة الحكم تتناسب تناسباً طردياً مع وعي الشعوب؛ مثال على ذلك الاسبارطيون كانو مجتمعاً يوتيوبي يحكمه المقاتلين الشجعان نساءً ورجالاً، يؤمنون بالعدالة والمساواة والعسكريتارية، لهذا لم يكن سهلاً أن يخدعهم الفرس مقابل أراضي وقصور، ولهذا دخلوا في حروب مع الفرس الذي كانوا يفوقونهم بـ 33 ضعفاً من حيث القدرة العسكرية، من الصعب على الشعب الاسبارطي الذي تعود على الحرية وتعود على التنازل عن المصلحة الشخصية مقابل الصالح العام كما تعود على تنظيف شارعه بنفسه والدفاع عن جاره إذا احتاج مساعدة أن يتقبل فكرة الديكتاتورية المنبثقة من الديمقراطية، لأنه حكم قائم على مصلحة فئة من المجتمع على حساب باقي فئات الشعب، بل هو مع فكرة حكم النخبة الواعية. برأيي أن الديمقراطية الصحيحة هي غير ناجحة لدى الشعوب المغيبة لأنها لا تمتلك ملكة النقد، وبالتالي كيف يكون لها القدرة على الاختيار إن كانت لاتعرف من الأساس كيف تنتقد بمنهجية وموضوعية كل من يقدم نفسه مرشحاً؟ الديمقراطية الحقيقية هي انتخاب البرامج وليس الأشخاص، هنا تتحق فكرة أفلاطون حكم النخبة التي لن تصل للحكم أبداً مادام الشعب فقير وجاهل ولا يمتلك أساسيات التفكير النقدي والموضوعي القائم على مصلحة الوطن وليس مصالحه الشخصية أو ميوله الدينية والمذهبية أو الايدولوجية أو العرقية.