سياسات وأوهام

قضايا عربية ودولية 2023/10/26
...

علي حسن الفواز

زيارة الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني إلى "إسرائيل" تأتي في ظل التماهي مع التوجهات الأميركية، والتنسيق على فرض الواقع الجديد، ومنع وقف إطلاق النار في غزة حتى تتحقق أهداف الجريمة

مَنْ يبحثُ عن الحرب، فإنه يعمد إلى تأجيل السلام، وتعطيل إجراءات التفكير به كنوع من الحل، وأحسب أن الموقف الأميركي الغريب الرافض لـ"وقف إطلاق النار" يؤكد على نوايا البحث عن ماوراء الحرب من مصالح وحسابات، ليس لدعم إسرائيل فقط، بل لوضع تصورات مثيرة للجدل عن ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد" الذي يُعيدنا إلى أُطروحات بريجنسكي المستشار الرئاسي الأسبق، وحتى إلى الأطروحات التي أثارها فرانسيس فوكوياما عن "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" في بداية التسعينات، فبقدر ما تبدو هذه الأفكار بلا  أغطية تاريخية أو أيديولوجية أو حتى شرعية، فإن "الديمقراطيين الجدد" في الولايات المتحدة يخططون لسياسات مابعد الحرب.
وبالتنسيق مع دول غربية متعددة مازالت في "العربة الأميركية" التي تحدّث عنها فوكويا في أطروحاته، والتي تعمل على فرض واقع أمني جديد، وعبر الضغط على عدد من الحلفاء لمنع توسيع حرب غزة، والعمل على محاصرة المدينة والاستفراد بها، وكأنها غنيمة، وبهدف تنفيذ إجراءات سياسية تذهب باتجاه "احتواء القضية الفلسطينية" والتعاطي معها كموضوع للاجئين، وليس موضوع الاعتراف بدولة فلسطينية، ومنع استمرار احتلالِ كثيرٍ من الأراضي الفلسطينية.
زيارة الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني إلى "إسرائيل" تأتي في ظل التماهي مع التوجهات الأميركية، والتنسيق على فرض الواقع الجديد، ومنع وقف إطلاق النار في غزة حتى تتحقق أهداف الجريمة، وبالتالي يكون حديث السلام رهيناً بتسليم الرهائن، ومايعني جعل الحل "الأوروبي" وكأنه نوع من خلط الأوراق، وحتى إبعاد أيّ دور عربي في معالجة القضية الفلسطينية خارج تصورات النظرية الأمنية الأميركية والإسرائيلية، لاسيما بعد فشل المؤتمر الرباعي الذي رفضته الدول العربية- الأردن ومصر والولايات المتحدة وفلسطين- بعد الجريمة الإسرائيلية بقصف مستشفى المعمدان، حتى بدا الأمر وكأنه مقصود، وأن ما حدث من جريمة كان تمثيلاً لـ"صهينة" الفرضية الأمنية، والمجاهرة بالعدوان حتى إن كان على حساب المدنيين من النساء والأطفال، وعلى حساب المؤسسات التي تدخل في حماية الأمم المتحدة.
هذه الزيارات الرئاسية الغربية إلى "إسرائيل" باتت جزءاً من الحرب، وإعلاناً للتضامن معها، دون النظر إلى أيّ موقفٍ يتصل بالحديث عن الحق الفلسطيني، وعن أيّ إجراء يخصُّ معالجة تاريخية الحقوق، بما فيه حق الدولة، ومواجهة تداعيات الاحتلال للأراضي المحتلة واستمرار سياسة الاستيطان، لاسيما أن ما حدث بعد "طوفان الأقصى" قد قوّض التعاليات الأمنية، وسلطة القوة الغاشمة، وهدد سياسة الاستيطان، حتى باتت هذه الزيارات تعكس مدى القلق والخوف على مستقبل الوجود السياسي "الآمن" للدولة العبرية وعنجهيتها.