طوفان الصبر

منصة 2023/10/29
...

  حبيب السامر


في ذاكرتنا، تتزاحم الصّور المتعددة عن موت الإنسان بطرق بشعة، تكاد أن تكون مبتكرة في تعذيب الذات وتشويه الحقائق وسلب إرادتها من عيون الناس، وطمس الشعور المتقد، كي لا يفتح أي جيل عيونه لتكون شاهدة على ما جرى، أو ربما يسمع بالحكايات التي توارثها من زمن بعيد.

تلك الصورة القاتمة تتوالد في أذهانهم، إذ كلما حاولوا أن يفتحوا كوة في غياهب الظلمة اغلقوها عنوة، وردموا كل المحاولات بمعاول وآليات ثقيلة، تحول الأرض إلى مساحات جرداء، غير قابلة لتكوين بعض صور تشع في مخيلة الحياة، لكنها الإرادة بفتح النوافذ نحو سماء صافية.

تكررت صور الاستفزاز القسري، من خلال اتباع أساليب ردم الشواهد الحياتية بمختلف الامكانات المتاحة والمستوردة لقهر الروح المشبعة بحب الأرض، والتشبث بشجرة العائلة والأنساب المتوارثة لديمومة نهج التواصل المكتوب في ضمائرهم، بل تعدوه إلى مزاحمة الأوكسجين الرباني وتلويثه، يا لسخرية القدر، حيث تتوالى الأحداث وتطفو على سطحها أنواع القهر والسلب وغرز أظافر الوهم في قلوب المتشبثين بالحياة والعاصرين قلوبهم بإيمان المصير وإثبات الوجود الإنساني مع سائر المتنفسين هواء الحرية.


(1)

الشجرة الراسخة قرب باب أحدهم، نمت وتحت أفيائها جلس الصحبة يتهامسون، وينشدون، ويرسمون القبة بألوانهم المائيّة ويؤطرون مساحتها بالحب والإصرار، نام الجميع ليلتهم بهدوء، وصحت العائلة على صورت هدير ماكنة كبيرة لقلع الشجرة التي امتدت عروقها إلى بيوت الصحاب، تحسس الجميع بانهيارات عدة، صحا الجميع وقف الشباب صفا واحدا أمام الآلة الكبيرة، تراجعت قليلا، هتف الجميع بحياة الشجرة، اختفت الماكنة الديناصورية أمام إرادتهم، وفي الصباح، التقى الصحاب ثانية، وثالثة وأخرى وعزموا على غرس شتلات كثيرة لأنها ترهب من لا يحبون اخضرار الحياة.

(2)

في الصف، جلس الطلاب بانتظام، وفتح الجميع كراساتهم، دخل المعلم، ورسم على السبورة دائرة كبيرة، وضع أسماء الطلاب فيها، تجمعوا تحت علم واحد وشمس تشرق من جهة القلب، غادر الطلاب مدرستهم، وهم في الطريق إلى بيوتهم سمعوا صوت انفجار هائل، تراجع بصرهم نحو المدرسة، تصاعدت أبخرة الدخان وأعمدة اللهب، وحين وصلوا إلى المدرسة ودخلوا صفهم، وجدوا الدائرة أكبر من مساحة السبورة والطلاب يوجهون أصابعهم إلى عيون الغزاة.


(3)

قالت يسرى في قصيدتها الأخيرة: الحياة لنا، وتركت الورقة فارغة.. وفي كل يوم تفتح الصفحة لتكمل قصيدتها، لكنها تجد الحياة كبيرة أمام عينيها الصغيرتين، تكررت العبارة ذاتها، حتى اكتملت الصفحة وهي تعيدها "الحياة لنا" فكانت قصيدة واحدة بنسغ حياة جديدة.


(4)

بحثت الطفلة ذات الأعوام الأربعة في ركام بيتها عن دميتها، كانت عينا الدمية تلصف كما البلورات الوهاجة، اقتربت الطفلة منها.. كانت عينا الدمية دامعة !


(5)

ليس باستطاعته أن يوجز الألم ذاته، كانت كوفيته تقطر دما، عندما توقف عند باب مشفى المعمداني، وهو ينظر إلى السماء ويردد: لماذا كل هذه القسوة، وماذا فعلنا يا..! 


(6)

الوثبة الأولى على دبابة عمياء كانت جديرة بالإشادة في محطات التلفاز!


(7)

تتراشق القذائف في الجانب الآخر، تقصد أهدافها، كانت المباغتة صادمة، وهي تصيب أهدافها بقسوة، أصابهم الذهول لحظتها، وهم يحصون خسائرهم، تناوب الرصد وتعالت النداءات المتكررة من أجهزتهم المخذولة، لكن دون جدوى، تناقلت الأنباء حجم الدمار وخبر المباغتة.


(8)

فتح الرجل الستيني دكانه الصغير، كان يرتب بضاعته المتواضعة، وهو ينظر إلى بيته خالجه الشعور ذاته، حين انهمرت القذائف!