اخفاق مشروع أركون

آراء 2023/10/29
...







 رزاق عداي

الإشكالية والاخفاق كمنا في أن المواءمة بين منظومات ذات أبعاد ومضامين تتواشج مع تواريخ الانطلاق مع أخرى ولدت وفق مستجدات حديثة، سيكون من الصعوبة بمكان تحقيقها، فيتشكل نوع من النشاز غير المستساغ أو اللامنطقي، لذلك ظل الطرف المقابل الرافض لفكرة العصرنة مصراً على الإبقاء على الجسم الإسلامي الأول على حالة دون الباسه باْردية معاصرة للابقاء على حيويته الأولى والحفاظ على كينونته

 مشروع المفكر الجزائري الكبير (محمد أركون) في عصرنة الإسلام، تعرض إلى الإخفاق، أو أنه لم يجد الاستقبال الذي كان يتمناه له، فظل يدور في حلقة معرفية محدودة، رغم الجهود الفكرية المضنية التي أبداها هذا المفكر، والقيمة المعرفية العظيمة التي تنطوي عليها كتاباته، وما تتوفر عليه هو من عمق فكري وابستملوجي، ناهيك عن معرفته التاريخية للإسلام ومقوماته، ومداركه فن المعطى التاريخي للإسلام الذي انطلق منه ليشكل انعطافة كبرى في 

تاريخ البشرية، لكن الإشكالية والاخفاق كمنا في أن المواءمة بين منظومات ذات أبعاد ومضامين تتواشج مع تواريخ الانطلاق مع أخرى ولدت وفق مستجدات حديثة، سيكون من الصعوبة بمكان تحقيقها، فيتشكل نوع من النشاز غير المستساغ أو اللامنطقي، لذلك ظل الطرف المقابل الرافض لفكرة العصرنة مصراً على الإبقاء على الجسم الإسلامي 

الأول على حالة دون الباسه باْردية معاصرة للابقاء على حيويته الأولى والحفاظ على كينونته دون انقاص، اذ هكذا فعل رواد حركة التنوير في الغرب ازاء المسيحية، لما بقيت هذه الاخيرة كما هي على حالها الاول دون مساس، سوى انهم دعوها للمكوث في فناء الكنيسة أو المعبد، وظل الإيمان بها كما هو، والحياة 

تمضي خارج اسوار الكنيسة في صيرورتها الابدية، وكانت هذه هي البدايات الأولى للعلمانية الغربية التي تحترم كل الأطراف وتبقيها في أماكنها، يري بعض النقاد أن أعمال أركون تدخل في نطاق الاستشراق، فهو لا يعدو كونه مستشرقاً في مقارباته وأطروحاته 

حول التراث العربي والإسلامي، فقد كتب بالفرنسية وحاضر فيها، وكان يحشد في كتاباته جيشاُ عرمرماً من مصطلحات علم الانثربولوجيا والالسنية وعلم التأويل (الهرمنيوطيقيا)، لدرجة أن من لا يعرف شيئاً كثيراً من تلك المعارف المستحدثة لا يفهم مما يقول الرجل، وكان برأي المترجم والمفكر - جورج طرابيشي وسيطاً فاشلاً بين الغرب والشرق، وأن دراساته ومقارباته على الرغم من حشدها بترسانة من المصطلحات والمفاهيم الغربية، والاستعانة بالعلوم الإنسانيَّة المستحدثة بالغرب لا تقدم اضافة حقيقيَّة جادة للفكر العربي الإسلامي، كما يرى هذا المفكر اللبناني -علي حرب - مثلاً قياساً إلى مقاربات محمد عابد الجابري أو حسن حنفي أو نجيب محمود، يصر محمد أركون على تقديم نفسه أنه المفكر المسلم، وهو يقصد الانتساب إلى الإسلام بالمفهوم الثقافي وليس الشعائري، فهو وريث فكر الاعتزال، ولكنه المفكر الذي عب من العلوم الحديثة التي نشأْت في الغرب، وتأْثر بفوكو ودريدا ولاكان، ولوسيان فيفر ولوسيان غولدمان، وجوليا كرستيفا ومدرسة الحوليات، وهذه المدرسة الأخيرة اعادت النظر في الفكر المسيحي الديني، وتعاملت مع النصوص بنزع الصفة اللاهوتية عنها 

وصفة القداسة واعتبارها نصوصاً لغوية، يمكن تفكيكها والاشتغال عليها وقراءتها في سياقاتها التاريخية والعلمية والفلسفية، وهو ما حاول أركون عمله في مقارباته للفكر الإسلامي، اي نزع القداسة من النصوص الدينية المؤسسة، والتعامل معها على انها نصوص لغوية، مع الإحاطة بالمستوى العلمي والفلسفي الذي كان سائداً انذاك، حاول محمد أركون 

أن يلقي باللوم في إخفاقه على اللغة العربيَّة، مدعياً أنها لا تنفك عن التماهي مع المقدس، لذلك ظل يكتب باللغة الفرنسية، كما انها تفتقر إلى معاجم تاريخية وفلسفية وفكرية، ناهيك عن عجزها في محايثة المعارف الحديثة كالألسنية والمدارس النفسية والفلسفية، وكل هذا لا يعيب العربيَّة،  فقد كانت لغة العلم في العصر الوسيط، ولكنه قصور العقل العربي في العصر الحديث واصراره على الاجترار وركونه إلى الكسل، بدل التجديد والابتكار والابداع، ولذلك وجد أنه لكي يكتمل مشروع العصرنة، فينبغي انجاز معاجم لغوية وفلسفية للالفاظ العربيَّة  في تطورها، اذ بدونها لا يمكن عمل اضافة حقيقية للدراسات 

الحديثة.