نساء وفتيات.. ضحايا الابتزاز الالكتروني

اسرة ومجتمع 2019/05/11
...

بغداد/ مآب عامر
بعد أقل من عام على استلام نهلة (14) عاماً، ورقة طلاقها من زوجها، بدأت تصلها رسائل تهديد عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، مرفقة بصور لها وهي تحتفل وترقص بصحبة مجموعة من الفتيات. ولكن هذه التهديدات كادت أن تصل لخطيبها الجديد، بعد أن احتار والدها في كيفية معرفة المبتز لايقافه عند حده، خوفاً من الفضيحة، تقول نهلة “سمح لي أبي بالتحدث مع الشخص الذي حاول ابتزازي لمعرفة ما يريده، ولكن من دون فائدة” .
كانت الصور تُظهر ان الحفل عائلي وليس فيه ما يعيب الفتاة، فهي بين عائلتها وليس هناك من خطر، وتتابع قولها: وكأن الذي يهددني هو من الأقرباء أو الذين لهم معارف من داخل عائلتي.
المبتز في قصة نهلة كان يلاحقها سعياً إلى إقامة علاقة والارتباط بها، وقد اتخذ من صورها وسيلة لإخافتها وعائلتها بداعي تشويه سمعتها من أجل الحصول على مبتغاه. 
وبعد أن فقدت نهلة هي وعائلتها قدرتهم للسيطرة على مجريات الأمور، عمدوا للجوء إلى افراد الشرطة المجتمعية رغبة بإيجاد حلول أكثر فاعلية. 
 
عمل “السحر” لحماتي
من الطبيعي أن يكون الهدف الأول والأخير من حالات الابتزاز هو الحصول على الأموال، كما هو الحال مع سعاد، وهي ربة بيت في العقد الثالث من عمرها، التي تعرفت على مجموعة مجهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 
تقول: كان الأمر بدافع الفضول مثل اعتيادنا على قراءة الفنجان للتسلية، فبدأت بمراسلة احدى صفحات التنجيم على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” بلا مقابل، وتحدثت إليّ في المرة الرابعة امرأة عبر مكالمة “الماسنجر”، وعرضت عليّ أن أجيب على بعض المعلومات كي تستطيع عمل “السحر” لحماتي التي كنت أعاني منها مقابل أن أرسل رصيد تعبئة لهاتفها.
 استمرت هذه المجموعة بمراسلتها وإعلام سعاد بآخر التنبؤات والمستجدات في حياتها وكذلك المشاكل التي  من الممكن أن تقع بها بصورة تكاد تكون يومية، وتضيف: كان الأمر يبدو لي مريحاً وليس خطراً، ولكنهم جمعوا عني معلومات كثيرة وهددوني بها إذا لم ادفع لهم المال.
 
صور
يتعمد المجتمع العراقي وخاصة العائلات المحافظة منه الابتعاد عن مراكز الشرطة وتجنب إعلام السلطات المعنية بحالات الابتزاز الالكتروني التي يتعرضون لها، فهند التي لم تتجاوز (13)عاماً، وطالبة من أسرة محافظة، قد ارتبطت بعلاقة حب مع شاب عن طرق مواقع التواصل الاجتماعي، وارسلت له بعض صورها وهي ترتدي الحجاب. 
ولكنها اضطرت إلى سرقة مبالغ مالية كبيرة ولمرات عديدة من والدتها، فقط كي تمنع الشاب من نشره لصورها، إلا أن هذا الشاب بقي يطلب المزيد والمزيد من المال، الى الحد الذي لم يعد بقدرة الفتاة توفيره. وخوفاً من أن ينفضح أمرها، لجأت لمدرستها التي نصحتها بالتواصل مع افراد الشرطة المجتمعية قبل فوات الأوان، وساعدتها  بالفعل في الوصول إليهم، وبدورهم تمكنوا من توقيع الشاب المبتز على عدم التعرض لها، بعد أن استرجعوا جميع الأموال منه. وبسرية ومن دون أن يعلم أهل الفتاة. 
 
التقنيات الالكترونية
ويبدو أن ضحايا الابتزاز الالكتروني يتزايدون بشكل كبير في الآونة الاخيرة، بسبب قلة خبرتهم باستخدام التقنيات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، والذين عادة ما يكونون من صغار السن، بحسب رأي المفوض سماح نعيم من الشرطة المجتمعية الشعبة النسوية، التابعة لوزارة الداخلية.  إن الجهل باستخدام هذه التقنيات - على حد قول المفوض- قد يؤدي للوقوع بأخطاء كثيرة قد تفسح المجال لاستغلالهم، كما أنها قد تفتح باباً للتورط بجرائم كبيرة. 
وقالت: إن الشرطة المجتمعية موجودة من أجل ايجاد الحلول ولكن بطريقة ودية، والتعامل مع الشخص المبتز بطرقة مسالمة، والتي تفرض الالتقاء به والحديث معه وتقديم النصائح له، من خلال تعديل سلوكياته في الابتزاز والاستغلال، وإذا رفض، فهنا علينا اتخاذ الاجراءات القانونية والقضائية بحقه.
 
العنف الأسري
الابتزاز الالكتروني تسبب في مشكلات كثيرة للفتيات والنساء، خاصة ونحن نعيش في مجتمع محافظ. تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة نهلة الحسني في إشارة إلى أن” منهن تمت معاقبتها بترك الدراسة، بينما غيرها تعرضن للتعنيف الأسري والقصاص الشديد، ومنهن من تم اجبارهن على الزواج وهن بأعمار صغيرة. وتضيف الخبيرة: حالات الابتزاز لا تقتصر على الفتيات اليافعات وإن كانت نسبتهن الأكبر، فالمجتمع الآن يعاني من انتشار هذه الظاهرة، وعلى الأخص، بين شرائح أو فئات لديها معرفة بسيطة باستخدام التكنولوجيا والأجهزة الالكترونية، وهذا ما يجعلها فريسة سهلة لمن هم أكثر خبرة. وتشير الخبيرة إلى أنه غالباً ما تبدأ عمليات الابتزاز بلعبة بدافع التسلية حتى تصل إلى مستويات الجريمة أو التورط مع مجرمين، وبالتالي يكون من الصعب التخلص منهم أو من الجريمة أو حتى من الاخبار عنها للحصول على المساعدة، لأن مجتمعنا لا يرحم الفتاة أو المرأة التي تخطئ، ويعتبر المسألة  كلها متعلقة  بشرف العائلة أو العشيرة. وتضيف الحسني: لذا فمن الضروري اتقان بعض الامور كي لا نقع في الخطأ، أولها ان الحياة قد تطورت  بفضل التكنولوجيا بشكل رهيب، بالتالي يجب علينا أن ندفع ببناتنا وأبنائنا لإتقان عملية استخدام الانترنت وملحقاته التواصلية، حتى نحصنهم معرفياً من الأخطاء، أيضاً من المهم ألا نثق بالغرباء، وهذا ما يجب أن تفهمه الفتيات والنساء، لأنهم قد يتسببون بإنهاء 
حياتهن.
 
الآثار النفسية
نتيجة الأثر النفسي الذي يكون خطيراً على المراهقين وبالأخص الفتيات، وقد يلجأ البعض منهن إلى الانتحار لفقدانهن الثقة بوجود أي طوق نجاة.
وانتحار الضحية – حسب الباحثة- هو من أبشع  الآثار النفسية التي تسببها جرائم الابتزاز الالكتروني بشكل عالمي، فما بالك بالضغوط النفسية والتأويلات التي تدور في عقل هذه  الضحية داخل المجتمعات المحافظة والأسر المنغلقة.  وتمثل الضغوط التي تتشكل في ذهنية الضحية بانعدام ثقته بنفسه والمجتمع حتى إذا نجا وتخطى هذه المرحلة من حياته، فان هذا الامر سيشكل له جداراً يحد من آماله بالحياة ويجمد نتاجه كانسان فعال وعامل في مجتمعه. 
 اما على صعيد الجانب العائلي، فهنا تلجأ الضحية إلى الكتمان وعدم الإفصاح خوفاً من العقوبة التي قد تكون اشد وقعاً عليها، فالقضية هنا لن تكون ذات آثار نفسية فحسب وانما آثار جسدية وقد تصل بالنسبة للفتيات  الى الخوف من ظاهرة “غسل العار المتعارف عليها” وهذا يؤدي إلى تفاقم الاضرار النفسية لعدم وجود داعم معنوي وروحي تحتاج اليه الضحية وقتها. 
وتضيف: هذه الآثار التي تدور في ذهن  الضحية، تختلف تماماً عن الاثار التي من الممكن ان تتعرض لها في حال نفذ المبتز فعلته، فان الضحية هنا تقارن نفسها بكل ما سمعت به من فضائح وقضايا كارثية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام بصورة عامة.  
في حال تعرض إحداهن لابتزاز أو استغلال عليها الاتصال بالشرطة المجتمعية، لأن طواقمها ستحل المشكلة بطريقة سرية، كون العاملات فيها من نساء وفتيات يعشن تفاصيل حياتنا وبداخل مجتمعنا، على حد 
قولها. 
 ولكن قبل ذلك كله، ترى الخبيرة، ضرورة أن يعتاد الأهل وخاصة الأم على أن تكون قريبة من  بناتها، وتخلق جسراً من الصراحة والثقة، فهذا التقارب والثقة في علاقة البنات مع أمهن كفيل بتخلصهن من كبر المشاكل التي من الممكن أن تواجههن في الحياة، وكذلك تُبعد عنهن الأشخاص الذين يحاولون  ابتزازهن أو استغلالهن، لأنها حتماً – اقصد الأم- ستكون معهن وتشير إليهن على الطريق أو السلوك الصحيح.