أحمد عبد الحسين
عار الإنسانيّة الأوّل هو عارُها الأخير: القتل.
قتل ابنُ آدم أخاه بالحجر، وظل أبناؤه القتلة يتوارثون سلاحه الأول ويطوّرونه سيفاً وسهماً ورمحاً ومنجنيقاً وبنادق ومسدسات ومدافع وطائرات وغواصات وقنابل عنقودية وفسفورية وسلاحاً كيميائياً وقنابل نووية.
يتغيّر السلاح بأيدي الورثة ولا تتغير اليد التي تحمله ولا الضمير البدائيّ الذي يسوّغه. تتبدّل الشخوص ولا تتبدّل ذرائع القتل الذريع.
الحرب هي رائحة جيفة الإنسانية التي ماتت في أعماق هذا الكائن المسمّى إنساناً، ونحن لفرط استنشاقنا هذه العطور العطنة أدمنّاها وصرنا نأنس بها ونكتفي بتعداد أرقام القتلى في السهرات.
القتل دائرة لا مخرج منها إلا بالقتل. ففي الواقعية القرآنية نلحظ أنّ هناك قتلاً لنفي القتل وإيقافه، بل قتلاً تسمّيه الآية القرآنية حياة: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب". كثير من النظم والدساتير والقوانين تلجأ إلى تقنين خطر أصغر لدرء المخاطر الكبرى، والآية تندرج في هذا السياق الواقعيّ.
أتذكر الآن اجتياح الاحتلال لبيروت سنة 1982، يومها قتل المحتلّ عشرات المدنيين وأحرق قرى وهدم بيوتاً، ثم قامت القيامة حين قُتل ضابط من جيش الاحتلال، اعتبر العربُ الحادثة إنجازاً واعتبرها المحتل انتكاسة، إلى حدّ أن المخرج عاطف الطيّب أفرد للحادث مساحة كبيرة في فيلمه "ناجي العلي". وأتذكر أنّ جثة محتلّ واحدة كانت تُبادل بعشرات الأسرى العرب.
الحرب ظالمة مظلمة والقتل مهنة حقيرة لكنّ هذا الذي كان يحدث إنما هو ظلم وظلام مضاعف: حين يكون هدر حيوات بشر كثيرين أخفّ وطأة من هدر حياة شخص واحد.
اعتاد العالم على هذه اللعبة فهو يتوقّع قتل الفلسطينيين ويعرف كيف يسوّقه بسلاسة، لكنه ترتعد فرائصه عند موت واحد من أحبائه المحتلين. ولكي تغير هذه اللعبة الحيوانية التي يحبّها الغربُ يجب أن تتغيّر قواعد كثيرة.
كان الفلسطينيّ المحتجّ يُنظر إليه باعتباره بدائياً متوحشاً لأنه لا يمتلك إلا سلاح ابن آدم الأول: الحجر. بينما القاتل المدجج بصنوف الأسلحة الأميركية متحضر لأن حجره أصبح آخر ما تنتجه مصانع أميركا.
من ضمن المستجدات التي أتتْ بها أحداث الأسابيع الماضية هو هذا التغيير الجوهريّ الذي يلخصه قول العرب القدامى "القتل أنفى للقتل".
فإذا كان مقدّراً لي أن أموت فلنْ يكون قتلي تسلية في سهراتكم.