تسرب الأناث من المدارس وارتفاع مستوى الأميَّة بينهن

ولد وبنت 2023/10/30
...

 بغداد: سرور العلي

تشعر الشابة حوراء محمد بالحسرة، وأحياناً بالانزعاج كلما رأت الفتيات صباحاً، وهن يسرن في الطرقات، حاملات حقائبهن وذاهبات إلى مدارسهن، إذ سرعان ما تطوق عنقها سلسلة الذكريات المريرة، ويراودها مشهد إجبارها على ترك المقاعد الدراسية في سن الثالثة عشرة، من قبل والدها وإصراره على ذلك، محتجاً بأنها أصبحت فتاة بالغة، ولا يرغب بخروجها الإ لبيت زوجها، ولم تنفع معه توسلاتها المتكررة، ودموعها وهي تحتمي خلف والدتها، التي هي الأخرى ليست
لها كلمة عليه.
وتقول عن ذلك بصوت مليء بالألم:”كان لدي الكثير من الطموح، الذي انسحق تحت عجلات العادات والتقاليد المتوارثة، فكنت أرغب بأن امتهن المحاماة، والدفاع عن حقوق المظلومين والمستضعفين، وإرساء مبادئ العدالة، لكن في مجتمع كهذا ليس للأحلام والطموحات متنفسٌ لذلك”.
ولا يختلف حال محمد عن كثير من سلب حقهن في التعليم، أو من تنازلن عنه بإرادتهن لأسباب عديدة، ومنها تقليد الفتاة لما هو موجود في أسرتها، كزواج الإناث وعدم إكمال تعليمهن، وتدني المستوى الثقافي والعلمي للوالدين، وانعدام التشجيع لها، وقضاء وقت طويل بتصفح الهواتف المحمولة، والانغماس بتطبيقات الألعاب والوسائل الترفيهية.
ويرى الطالب الجامعي حسن الساعدي، 26 عاماً، أن أحد أسباب منع الفتاة من الذهاب للمدرسة، هو نتيجة الوضع الاقتصادي المتدني للأسرة، والرغبة بعدم تحمل أعباء إضافية، ما يجعلها تفكر بحلول أخرى كزواجها، والتخلص من مصاريفها، والجهل بأهمية التعليم، وزيادة معدلات زواج القاصرات، ما يسبب بتسرب الفتيات من المدرسة، وتفشي ظاهرة الأميَّة في المجتمع، وله أثر سلبي في ذلك، كونهن سيصبحن أمهات ويربين أجيال المستقبل.
تشير زينب علي، 21 عاماً، إلى أنها تركت التعليم برغبتها، ومن دون ضغوطات أسرتها، كونها لا تحب إكمال دراستها، وبسبب رسوبها المتكرر، الذي عرضها للكثير من التنمر والكلمات المسيئة، من قبل زميلاتها الطالبات وبعض قريباتها.
ولي جليل الخفاجي، باحث اجتماعي وتربوي بيَّن أن التسرب من المدرسة من الظواهر المنتشرة حالياً وفي ازدياد، ودائماً ما نقول إن هناك مثلثا لتلك الظاهرة، وهي أسباب تعود إلى الأسرة أولاً، وللمدرسة ثانياً، وللطالب نفسه ثالثاً، وفي ما يتعلق بتسرب الأناث فنحن نعرف أن المجتمع العراقي من المجتمعات القيمية، لذلك تلعب العادات والتقاليد دورا في هذا الجانب، فنلاحظ بعض الأسر لا ترغب أن تكمل بناتها تعليمهن، وبسبب القيم المتوارثة، بأن تكون الفتاة مكانها في البيت، والزوج مسؤولاً عليها، والأولوية هي تربية أطفالها، لكن كذلك هناك أسباب طفت على السطح، ومنها في الجانب الاقتصادي، ونحن ندرك اليوم أن تكاليف المدرسة مرتفعة، حتى لو كانت مدارس حكومية أو أهلية، فنشاهد نقصا في الكوادر أو المناهج التربوية وبقية التجهيزات، وبالتالي سيشكل هذا كاهلاً على الأسرة، لا سيما التي لديها الكثير من الأبناء، ودائماً ما تكون الإناث هن الضحية، بمنعهن من إكمال التعليم، كون الأب لا يستطيع توفير كل هذه المستلزمات، كما بسبب الإحباط الذي يصيب الأسرة، كون قلة فرص التوظيف، والحصول على عمل بعد التخرج، فتضطر الفتاة إلى ترك مقعد الدراسة، وهناك سبب آخر هو قلق الأهالي على بناتهم، نتيجة للتطور الكبير الحاصل في التكنولوجيا والإنترنت، والتفكير بوقوعهن في مشكلات كبيرة، كالتحرش وغيرها، ما يدفعهم للحفاظ على البنت، كما هناك أسباب خاصة بالمدرسة ذاتها، كعدم وجود خدمات، أو بعد المسافة بين المدرسة والبيت، وأيضاً زيادة العنف المدرسي في الفترة الأخيرة، الذي يتعرض له الطلاب، وينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وتشاهده الأسرة وأبناؤها، فيصيبهم بالخوف
والهلع.
ويأمل الخفاجي أن يكون هناك وعي كبير وثقافة كافية للأسرة، لتدرك أهمية التعليم لبناتها، وله دور في بناء مستقبلهن، وبناء جيل مسلح بالعلم والمعرفة