أدباء وفنانون في الطريق

ثقافة 2023/10/30
...

 علي لفتة سعيد

لا يبدو الأمر جديدا، ولن يكون نهائيا أيضا.. فثمة علاقة تفاعليَّة ما بين المكان والإبداع، مثلما هناك علاقة ما بين الإبداع والشهرة، وما بين المكان والشهرة.. المكان الذي من المفترض أن يكون مهما دائما - عادة ما يكون عاصمة أو مركز مدينة شهيرة- حتى قيل أنه صراع الهامش والمركز وهو الأمر الذي ينطبق على المدن الكبيرة الضاغطة بمكانتها وإشهارها وشهرتها وما يلحق بها من نواح وأقضية صغيرة متممة لهيكلها واسمها. وعلى الرغم  من وجود استثناءات في الإبداع سواء فنية وأدبيّة إلا أن العواصم دائما ما تكون هي مراكز الاستقطاب لأسماء شهيرة فاعلة وبمرور الزمن تبدو منتمية اليها، خاصة بعد مكوث طويل في  العاصمة التي دوما ما يكون لها دور كثير الجذب حينما يلجأ اليها المبدع طالبًا أو موظفا فيها لفترة محدودة أو زائرا عابرا.

والسؤال الذي نستشفّه هنا: هل التواجد في العواصم غايته الشهرة التي تمنحها مراكز الاستقطاب الإعلامي مثلا؟، أم أن الانتقال إلى المركز يعدّ خلاصاً من الهامش الذي يحتاج لأعوام حتى يتمكن الاسم من الوصول إلى مكانة ينشدها، من منطلق أن الذين انتقلوا إلى العاصمة اختزلوا زمن الشهرة.

الاحتكار البغيض
من هنا يقول القاص والاعلامي العراقي محمد الكاظم: منذ ظهور الفضائيات والأنترنت بدأت المركزيات الثقافيّة بالتلاشي على صعيد الأيديولوجيا والثقافة والسياسة والمدن والأفكار والأشخاص والسرديات الكبرى، وبدأت الكثير من الأصنام الثقافية بالتهاوي حول العالم، مضيفًا أن المؤسسات في بلادنا لم تدرك هذه الحقيقة، فهي مازالت تتحرك عكس حركة الزمن.
ويوضح أن عقل المؤسسة الثقافية ما زال يعمل على تكريس تلك المركزية وأيقوناتها الرثّة مستخدماً المال والمنصب والعلاقات ومفاتيح الشهرة والإعلام لتكريس نمط محدد من الثقافة، فلا أحد يمر من حراس البوابات الثقافية من دون أن يبدي فروض الطاعة للمركزيات الثقافية سواء بشكلها البروتوكولي الظاهري الصاخب أو تلك الثقافة الباطنية التي تمارس الانتقاء الثقافي من تحت الطاولة.
ويرى الكاظم أن الثقافة والإعلام في العراق يرتكبان حماقات أكثر من حماقات السياسة، فالعراق بلد متعدد الثقافات والآراء والأمزجة، ومن الطبيعي أن تتعدد طرق الإنتاج الثقافي ووسائل التعبير عن الذات.  
ويستدرك أن ما يحصل لدينا هو احتكار بغيض لمساحة الضوء التي يجري تسليطها على هذا المنتج الثقافي أو ذاك وحصرها في مساحة ضيقة محدودة عبر انتقائية إعلامية تمارس لأغراض لا أراها نزيهة في ظل وجود عطب في الضمير الأخلاقي للنخبة، ووجود فساد ونوايا غير بريئة لدى المتحكّمين بصناعة الرأي العام.
ويشير إلى أن المؤسسات المعنية بصناعة العقل العراقي ترضى بالتسطيح والغرائزية والرثاثة وتنسى المشاريع الجادة، وتقبل بالسهل والرخيص والمتيسّر وتنسى العميق والفاعل والمؤثر، وتنكر أي متن آخر خارج المتون التي جرى التأسيس لها منذ بدأ تشكيل الدولة العراقية وفوق كل ذلك تمارس تلك المؤسسات أشكالاً من الانتقائية الفكرية التي وصلت إلى درجة الانتقاء المناطقي، فمن هو قريب من أسوار تلك المؤسسات يجري تلميعه وتسويقه وتسليط أضواء الإعلام عليه ومن هو بعيد عنها يجري تجاهله وإعدامه معنوياً.
ويؤكد الكاظم معرفته بوجود الكثير من الطاقات المبدعة أدبياً وفنياً وأكاديمياً وإعلامياً في أكثر مدن البلاد، لكن تلك الطاقات تبقى مغمورة حتى تموت أو تيأس بينما يحظى غيرهم بالمنصب والمال والشهرة وعروض طباعة الكتب والمعارض والندوات والعناوين البراقة، ويفسر ذلك كوننا في بلدٍ نعيش لا مركزية سياسية وإدارية واجتماعية، لكننا محكومون مركزياً بثقافة العاصمة لأنّ الفضائيات والصحف والمؤسسات الثقافية ودور النشر تتواجد في العاصمة حصراً.
وهذا ما يدفع الكثير من المبدعين لمغادرة بيئاتهم التي شكلت ثقافتهم والتوجه للعاصمة للحصول على بعض الضوء اللازم لاستمرار حياة المبدع.
أنا لا أنكر أن العاصمة تحتوي هؤلاء ولكن بشروطها الثقافية والأيديولوجية والاجتماعية القاسية وليست بشروط المبدع.

العاصمة والشهرة
الناقد والباحث المسرحي المغربي أحمد بلخيري يرى أن الموضوع يتمحور حول العاصمة الإدارية والسياسية حيث توجد فضاءات وأنشطة ثقافية عديدة، وحيث يكون اللقاء المباشر بين المثقفين والفنانين.
ويرى من الناحية السوسيولوجية، يبدو من العادي أن يتواجد في العاصمة كثير من المثقفين والفنانين إما بحكم العمل أو بحكم الولادة.
وبسبب ذلك يكون اللقاء المباشر بين هذا الفئة من المواطنين.
لقاء ينتج عنه تلاقح الأفكار وتفاعلها، الأمر الذي قد يؤدي إلى كتابة مقالات، أو دراسات، أو متابعات لإبداع هذه المبدع أو ذاك.
وهي كلها سبيل نحو الشهرة وذيوع اسم المبدع على نطاق واسع قد يتعدى حدود الوطن.
وفي المغرب، يعتقد أن مسألة المركز والهامش تبدو مطروحة بالنسبة للإبداع المسرحي، ولكنها ليست مطروحة على كلّ مجالات الإبداع.
وتفصيل ذلك هو أن حظوظ تقديم عرض مسرحي، من الناحية الكمية، على خشبات مسرحية عديدة في كل أرجاء الوطن تكون كبيرة بالمقارنة مع تقديم عرض مسرحي من لدن فرقة أو جمعية مسرحية من إبداع مبدعين ينتمون جغرافيا إلى الهامش.
هذا الكم يمكن إثباته رقميا إذا توفرت المعطيات التي مصدرها الفِرق المسرحية. هذه الحظوة، حظوة التواجد في العاصمة، إذا كانت مصحوبة بجودة الإبداع، تسهم في الشهرة، الحظوة إذن مشروطة بجودة الإبداع. ولهذا، فقد يكون أفراد الفرقة المسرحية أو الجمعية المسرحية ممن ينتمون إلى العاصمة، ومع ذلك فشهرتهم، وشهرة إبداعاتهم قد تكون ضئيلة لانتفاء الإبداع الجيد. لكنه يعود ليقول إن: التواجد في العاصمة ليس سببا في حد ذاته لاكتساب الشهرة. فقد يكون المبدع الروائي على سبيل المثال ممن ينتمون جغرافيا إلى الهامش. لكن، رغم هذا الانتماء، فقد يغدو الكاتب الروائي مشهورا. شهرته في هذه الحالة متأتية من إبداعه وليس من المكان الذي يعيش فيه أي الهامش. ويشير إلى أن لنا في المغرب مثالا ساطعا على ذلك. فالروائي عبد الكريم جويطي مبدع رواية «المغاربة»، و»كتيبة الخراب»، وغيرهما من الإبداعات المتميزة، مشهور جدا، لا بسبب المكان الذي يعيش فيه، وهو بعيد عن العاصمة، ولكنه مشهور بفضل إبداعه. ويستخلص بلخيري بقوله أن «التواجد في العاصمة قد يسهم في نيل الشهرة بفضل الاحتكاك والتواصل والتفاعل بين المثقفين، لكن هذا التواجد فيها لا يؤدي حتما إلى نيل الشهرة».

أنهار العواصم
بالرغم من الاقامة في العاصمة وحب النشر والتواصل مع الآخرين لكن الناقد والقاص المصري هشام العطار يقول: لو كنت من أهل القرى أو المدن البعيدة عن العاصمة لوددت أن أنتقل، لأنني أريد أن أكبر والناس يقرؤون أعمالي الأدبية والهدف في منظوري ليس الشهرة، بل توسيع دائرة التواصل الاجتماعي والأدبي.
ووضح العطار: لقد بدأ الإنسان حياته شاعرًا يغنّي لنفسه في الغابات ليزيد من همته على قتل الوحوش، كي يحيا آمنا، وعند اصطياد الغزلان كان يغني ليسلي نفسه ليصبر على أوقات انتظار اقتناص الفريسة لتوفير الطعام له ولأولاده، ثم اصبح بحاجة للتواصل مع الآخرين ليغنّي غناءً جماعيا. ويمضي بقوله إنهم يغنون «هيلا هيلا» بمعنى «هيا هيا أو هلموا هلموا» أثناء العمل الشاق في صيد الأسماك أو حتى في أعمال البناء ويغنون جماعات لينجزوا مهمتهم بروح حماسية.
ويرى أنه في العودة إلى ذلك الإنسان الذي بدأ حياته شاعرًا مغنيًا نجده يبحث عن الانتقال إلى مدن ذات تجمعات أكبر بحثًا عن العمل والتواصل مع الاخرين، لأن الشعر أو النثر السردي الذي ينتجه يهدف منه أن يتواصل مع الآخرين، فجلّ فرحه أن يشعر الآخرون بشعوره، ولا يتحقّق هذا التواصل إلّا بالعيش في المجتمع، وليس بالعيش منعزلا، فكلما اتّسعت دائرة الاصدقاء والمعارف زاد هذا التواصل.. ويخلص إلى القول إنه من المنطقي أن يتجه الأدباء الى العواصم حيث وفرة الاحتكاك والتواصل وفرصة الندوات المثمرة. والعواصم بحسب ما رأيه هي أنهار التواصل الادبي، كي ينهل منها وكذلك يدلي بدلوه فيها، وليس لأن هدفه الأساس هو الشهرة، فالشهرة قد تكون هدفا ثانويا بالنسبة له.

وجبات أدسم ونساء أجمل
من جهته، يشير الاديب المغربي محمد بنعزيز إلى أن الادباء والفنانين والطامحين للثروة يتّجهون إلى العاصمة لأنهم يفترضون أن ذلك المكان حيث تصرف ميزانية الحكومة سيوفّر لهم فرصة للتسلّق الطبقي مثلما حصل لرؤوف علوان في رواية «اللص والكلاب». ويعتقد أنه يمكن للفنان والأديب أن يحقق شهرة أو على الأقل يصير صحافيا في جريدة أو بهلوانا بنادي في العاصمة. ويضيف: هذا أفضل له من البقاء في البادية.
ويذكر قول عالم الاجتماع الفرنسي المغربي بول باسكون «تهرب المواهب من الأرياف إلى المدن الكبرى» هذا ما وصفته الرواية الأوروبية في القرن التاسع عشر. فمثلا منذ «عاد ليون - عشيق مدام بوفاري- إلى الريف وهو يحتقر كل من لم يحظ بحذاء لامع وهو في إسفلت باريس». لذلك قرر ليون أن يسحب مدام بوفاري وراءه مما تسبب في إفلاسها وهي تدفع ثمن تلميع حذائه في باريس، مدينة المدائن. ويشير إلى أنه توجد مدن فاضلة لكن لا توجد بوادي فاضلة.
ويوضح بنعزيز أنه حين يتحدّث شخص جمال الطبيعة في الريف، فأنا أدرك أنه لا يعرف الجهد المبذول لتظهر تلك الحقول البغيضة جميلة. بالنسبة لي البادية هي عمل بدني تحت شمس حارقة لساعات طويلة. هذا ما هربت منه.
ويتابع: أنا بدوي هارب من الريف إلى العاصمة حيث المقاهي والبنات. لكي لا أكرر حياة أبي. ويؤكد لقد سحرتني «أضواء المدينة» التي صورها شارلي شابلن في فيلمه. أنا الآن سينمائي مديني أكتب هذا في مقهى يطل على البحر وتخدمني نادلة جميلة.

المدينة والحياة
الشاعر والصحفي اليمني صدام الزيدي يشير إلى أن هذه الأسئلة تأخذنا إجاباتها إلى توق الإنسان دومًا لحياة أفضل، وهي تتوفّر في المدينة بمقوّمات وعناصر أكثر مما هي عليه في القرية.
ويذكر أن هناك أسماء معروفة في الوسط الثقافي العربي باتت مرتبطة في أذهان الناس بالمدن التي أقاموا بها وانطلقت إبداعاتهم منها إلى العالم.
ويشير إلى ارتباط الشاعرين الكبيرين عبد الله البردّوني وعبد العزيز المقالح بالعاصمة صنعاء، فصارت صنعاء (المدينة والعاصمة) مقترنة بهما كلما تداعى الحديث عنهما وعن إنجازاتهما الشعرية والفكرية والنقدية.
ويرى أن صنعاء، كعاصمة، كانت مقصدًا لعدد كبير من مبدعي وفناني اليمن، ومثلها مدينة عدن (يوم كانت عاصمة وفي ما بعد ذلك)، وهنا تتحقق رغبة المبدع الكاتب أو الفنان في أن يكون من ساكني العاصمة حيث تتوفر مصادر المعرفة والتواصل بدءًا بالمجلات والصحف والملاحق الثقافية في شرفة تواصلية قريبة من الضوء بعكس القرية حيث لا كهرباء ولا صحافة سيارة تصل إلى هناك ولا أنترنت في ما مضى من فترات.
ويضيف الزيدي أن: السكن في العاصمة يوفر للمبدع الشهرة لأنه يكون قريبًا من المشهد الثقافي والإعلامي، متفاعلًا معه، ومتثاقفًا مع عناصره من المهتمين بالآداب والفنون في سياق المنتديات والفعاليات الثقافية التي تنتظم تباعًا.
ويضع سؤالًا: لو أن البردوني أقام حتى آخر أيامه في مدينة ذمار التي ينحدر من إحدى قراها ولو أن المقالح بقي في إحدى قرى مدينة إب هل كانا سيصلا للشهرة التي منحتهما إياها صنعاء حاضرة اليمن وشرفته التواصليّة الأولى؟.
ويعبر الزيدي عن اعتقاده في أن الانفتاح التكنولوجي وسهولة الوصول إلى آخر العالم بضغطة زر ستغير قليلًا من المعادلة، لا سيما في ظروف الحرب مثالًا، حيث توقفت الصحافة الثقافية تمامًا وأصبحت الأكشاك التي كانت تعرض ملاحق وصحفًا ودوريات ثقافية محلية وعربية.
ويحدد أسباب الانتقال بقوله أولًا، ضمن صراع المركز والهامش. وثانيًا، في سبيل الوصول للشهرة من قبل عدد كبير ممن يهجرون الهامش ويرتحلون إلى المركز.
ويستدرك بقوله: لا بدّ من الإشارة إلى ما تلعبه الوظيفة كواحدة من أدوات تأمين حياة أفضل في العاصمة، والمدينة إجمالًا، سواء الوظيفة التي تم الانتقال إليها من نقطة (بعيدة) في الهامش إلى نقطة (مضيئة) في المركز، أو الوظيفة التي تم البحث عنها وانتظارها طويلًا، أو الوظيفة التي تم العمل حثيثًا على نقلها من الهامش إلى المركز تمهيدًا لبدء مسيرة تحقيق الشهرة، على أنه ليس كل من أقام بعاصمة أو مدينة، أصبح مشهورًا! ففي زماننا اليوم، فثمة أسماء وصلت للشهرة عبر نوافذ إلكترونية بينما هي مقيمة في أقاصي الهامش.

المقارنة وتقريب المصير
الناقدة والشاعرة العراقيّة ملاك أشرف، تؤكد أن هناك دائمًا صراعات مستمرّة بين طرفين أو أكثر في المجتمعات العربيّة وخاصّة المجتمع العراقيّ حتّى وصل الأمر إلى حدّ الصراع المحتدِم على الأماكن أو ما يسمى بصراع الهامش والمركز.
وترى أن المدن البعيدة عن العاصمة ولا سيّما مدن الجنوب غالبًا ما تكون شحيحة في الثقافة والإعلام بمعنى آخر أنّها تفتقر إلى المؤسسات الثقافيّة البرّاقة، التي تسعى إلى إقامة الندوات، المحاضرات والأُمسيات الجذّابة كي تُقدم الأديب أو الفنان على نحوٍ صحيح والتعريف بهِ كما ينبغي. كما أن مثل هذهِ المدن الصغيرة الهامشيّة كثيرًا ما تُعاني من الانغلاق، الانحدار الفكريّ والقيود بالنسبة للمرأة، وعليه يلجأ الفنّان بشكلٍ عام والأديب بشكلٍ خاصّ إلى العاصمة لانفتاحها وحرّيتها والأنسب لتعدد ثقافاتها ومؤسساتها المعرفيّة المؤثرة فضلا عن دور نشرها المميزة، التي تتيح له فرص الظهور والتألّق باستمرار وليس لفترات مُعيّنة فقط.
وتعتقد أن اتّساع العاصمة من الجوانب كافّةً يعطي الأجواء المُناسبة لذلك المبدع، فنلحظه يتمتع بما يريد ويحصل كيفما يشاء على ما يخدم إبداعه وفنّه في أثناء إقامته فيها تحديدًا، بينما في مدينة ثانية غير العاصمة، نجدهُ يبحث طويلًا من أجل الحصول على نسخة من صحيفة يوميّة أو مجلّة ثقافيّة منشودة، مُتناسيًا أنّها مغمورة في مكانٍ ضيقٍ من مدينتهِ لا يأبه له أحد، لعلّهُ يحتاج أيضًا إلى أيّام أُخرى متواصلة لإيجاد مكتبات جديرة بالتعامل وتستحق دفع الأموال لاكتناف ما فيها من كتب غنيّة.
 وتشير أشرف إلى أن الدراسات التي تمّ جمعها حولَ هذا الموضوع لا تزال قاصرةً ومحدودة، تدعو إلى النظر فيها من جديد ووضع النقاط على ما يلزم الحديث عنهُ فعلًا، وأعني هنا أنه لا بدَّ من العودة إلى جذور المشكلة وتسليط الضوء عليها من خلال تتبع تاريخها وتطورها. أن هناك لهم هدف الوصول إلى المركز وبمجرد وصولهم إلى هناك، هجروا الأشخاص والأماكن التي أسعفتهم وعلاقاتهم مع من حولهم، وأصبحوا أشخاصًا بلا مبادئ، لن يهمهم الأدب وجودته حقًّا فيما بعد أو بالأحرى لن يهتموا بصقل موهبتهم مرارًا وتكرارًا مثل الغابر، بل أصبحَ شاغلهم الشهرة الساطعة وحسب، وعلينا أن نتأكدَ من تحولات الكاتب أو الفنّان عمومًا في المراكز ونقارنها مع وضعه في الهوامش مسبقًا لنرى الحقيقة جيدًا، والأخذ بعين الاعتبار أن الإبداع الحقيقي سيصل وإن كانَ مولودًا في الهامش ولو بعدَ حين، فالمركز ما هو إلّا تقريبٌ للمصير واختزال للزمن لكنهُ ليسَ المصير أو النجاح كلّه كما يعتقد الكثيرون.