علي رياح
سِحر كرة القدم لا يُقاوَم. لا أعني تلك الأساليب الشهيرة التي كانت في إطار مسموعاتنا المحلية والخارجية عن تأثير السحر والسحرة على نتائج كرة القدم وما يجرّ إليه (العمل الأسوَد)، أنما اتحدث عن طبيعة اللعبة نفسها. ممتعة، جاذبة للناظرين كما الممارسين، وعلى المدرجات تجد العجب من صنوف التشجيع والمؤازرة أو الرفض والشجب والإدانة وربما يمتد الأمر إلى تحطيم الأشياء. خلطة من المَشاهد تشكّل عالم كرة القدم وهو ما نعني به السحر التلقائي الذي يجعل وجود اللعبة في حدّ ذاته مصدراً كاملا للعافية والصحة والسَوية وأكاد أقول الإنسانية بواحدة من تجلياتها.
في الأسبوع الماضي كنت أرقب في إحدى الساحات الفرعية لملعب الشعب مباراة مكتملة الأركان يتبارى فيها فاقدو الأطراف في تنافس مُحتدم لا يخلو من الود، ففي خاتمة المطاف سيجد اللاعب والمدرب والحكم والإداري أنه حقق معنى الإرادة وبعث برسالة بليغة فيها العنفوان الذي تستطيع أن تـُمسك به في كل لحظة تتنقـّل فيها الكرة بين الأقدام المنقوصة التي تتكئ جرياً وتنقلاً على العكازات. لم يخرج أحد عن (أصول اللعبة)، فالأقدام والرؤوس هي التي تحدد مسار الكرة والمباراة وهي التي تصيب الشِباك، بينما كانت الضحكات بين حين وآخر تخترق هذا المشهد الجاد الذي يصبح فيه الفوز بكل السبل المشروعة طريقاً إلى منصة التتويج حيث كانت بطولة كأس العراق لفاقدي الأطراف تضع أوزارها.
كانت مشاهدة دقائق من هذه المباراة في ظل هذا التحدي الجسدي النادر، تجلي النفس وتعيدها إلى كل كوامن السحر الكروي الذي يجتذب الأمم والشعوب، ويجعل لكل فئة أو قطاع إنساني أو مهني بادرة تخترق المألوف وتنسج حكاية كروية عراقية خالصة، وعندي من الأمثلة ما يملأ صفحات.. تكفيني واحدة استلّها من الذاكرة الكروية العراقية.. في أواسط السبعينيات كان خبر مهم نشرته صحيفة (الرياضي) كافياً لأن يلفت أنظار العراقيين. كان العنوان العريض (تشكيل منتخب فـلّاحي لكرة القدم).
كان الخبر جاداً، ولم يكن مجرد دعابة. ذهب الجميع في ردود أفعالهم وتخيّلاتهم إلى مدلول أن يكون هنالك منتخب يجمع أمهر اللاعبين من بين فلاحينا ومزارعينا.. أصل المبادرة انطلق آنذاك من مدينة الخالص بشخص مدير الزراعة فيها ابن الموصل عبد الوهاب محمود الصباغ الذي أصبح فيما بعد وزيراً للزراعة والري. كان الخبر يحمل إشارات في اتجاهات شتى منها تحديداً ما يتعلق بمدينة الخالص الرائعة التي يُعرف أهلها بعشقهم الجارف لكرة القدم، كما أن فيه دلالة على تلك المواهب التي كانت تبحث عن فرصة وقد وجدتها بالفعل بعد مدة وجيزة مع نادي ديإلى الذي كان مشاركاً في الدوري العراقي.
لم يطل المقام بهذا الفريق الفلّاحي الذي وعد القائمون عليه بفتح أبواب المباريات أمامه حتى على المستوى الخارجي، فلقد تفرّق أعضاؤه بين أندية المحافظة وخارجها، لكنني استعيده الان كدلالة على أن بين كرة القدم والعراقيين، الأسوياء ومنهم ومتحدّي الإعاقة، آصرة لا تنقطع. تستطيع أن تكون قريباً من أي عراقي، لا بل أن تتملّك قلبه لمجرد أن تتماهى مع ولعه الكروي.