دور السينما في العراق

ثقافة 2023/10/30
...

 بغداد: نوارة محمد

يقول المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي: " السينما ليست صناعة، وليست فناً، إنها أكبر من ذلك، هي طريقة جديدة للنظر إلى العالم" ويصفها روبرت ألتمان "السينما هي كيفية أن تعيش أكثر من حياة.. حياة جديدة مع كل فيلم تشاهده".

من هذا المنطلق يحظى المشهد السينمائي الذي يعدّه مختصون مثله مثل عالم الواقع باهتمام ودعم كبيرين في العالم، ولكن الأمر يبدو مختلفا في العراق فإن معظم المشتغلين في الميدان السينمائي ممن شعت في أرواحهم أنوار العروض الأميركية المبهرة يرون أن السينما تأثرت كثيرا في التغيرات، التي شهدها عراق ما بعد 2003، اليوم لا صالات حقيقية عدا تلك التي نعثر عليها في المراكز التجارية، والتي لا تناسب أساليب الفرجة الواسعة.
البعض يرى أن صالات السينما تعد جزءا من التراث الثقافي، وربما يعزز هذا الحنين إلى الماضي، عدم تقبلهم فكرة التطورات المضطردة، سواء من جانب تقنية العرض السينمائي، أو من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، لم يعتد المشاهد العراقي على صالات العرض الجديدة التي زخرت بها المولات التجارية، والتي تتوفر فيها كل مستلزمات العرض السينمائي الحديث، الذي أصابه التطور حاله حال الجوانب السينمائية الأخرى، هكذا يبدأ المخرج والناقد السينمائي علاء المفرجي حديثه لـ  "الصباح".
"إن كنا في الماضي نشكو من إهمال دور العرض السينمائية، وتحويل الكثير منها إلى محال تجارية، ذلك لأننا كنا نعاني من هذا الأمر مقابل لا أبالية الآخر المسؤول. أما الان فاننا نطالب بصيانة بعض هذه الدور وأعاده تأهيلها، لأنها جزء من التراث الثقافي لمدننا ليس إلا.. فقد فرضت التطورات المضطردة، إن من جانب تقنية العرض السينمائي أو من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، أن نرى ونتمتع بصالات عرض جديدة زخرت بها المولات التجارية، والتي تتوفر فيها كل مستلزمات العرض السينمائي الحديث، الذي أصابه التطور حاله حال الجوانب السينمائية الأخرى، فما عاد البكاء على أطلال الصلات السابقة مبررا، قدر التعاطي معها كنوستالجيا، وكجزء من التراث الثقافي كما أسلفت، بمعنى أن المطالبة بإعادة الصالات القديمة بات من باب البطر، ومثال بسيط انني حضرت فيلم (ميونخ) عام 2005 في امستردام في صالة عرض سينمائي شيدت عام 1899، وكان متوفر فيها كل مستلزمات العرض السينمائي، رغم وجود الكثير من الصالات الحديثة في المدينة، وبقاؤها في الخدمة كل هذه الفترة هو لأنها جزء من التراث الثقافي. يرى آخرون أن انتعاش فترة الثمانينيات مرتبط بالتنوع الجماهيري المتذوق للسينما، لا سيما في مدينة بغداد التي تستقطب جمهورا محددا ونوعيا وهي تعتمد فكرة "المشاهدة"، رغم سعة الصالات مقارنة بالصالات الحالية الصغيرة والمحدودة المقاعد المهتمة كثيرا بفكرة الماركتنك وتسويق منتجات ثانوية على حساب المتعة البصرية المخرج السينمائي. إلى ذلك يبين المخرج السينمائي علي محمد سعيد " خلال فترة الثمانينيات، ورغم ارتفاع صوت الرصاص القادم من جبهات الحرب العراقية الإيرانية، إلا أن الشباب كان حريصا على ارتياد دور العرض السينمائي في بغداد، شخصيا كنت أفضل الذهاب إلى سينما سميراميس لمشاهدة الأفلام الأجنبية التي كانت تميز عروضها، السينما التي تم تصميمها بشكل فخم وأنيق وعلى الطراز الأوروبي. كانت دور العرض في بغداد تستثمر في جمهور محدد ونوعي، في سينما السندباد كانت الأفلام الهندية هي السائدة، بينما في سينما الخيام وغرناطة كان الفيلم الأجنبي هو المهيمن، بينما حرصت سينما اطلس على عرض الأفلام العربيَّة والتركيَّة، وهكذا تنوعت دور العرض وتنوع معها الجمهور. كانت الطقوس أكثر التصاقا بفكرة "المشاهدة" رغم سعة الصالات مقارنة بالصالات الحالية الصغيرة والمحدودة المقاعد المهتمة كثيرا بفكرة الماركتنك وتسويق منتجات ثانوية على حساب فكرة "المشاهدة"، مثل البوب كورن والمشروبات وغيرها. شغف الحضور للسينما مازال كما هو لان الهدف لا يزال هو المشاهدة و"الإصغاء" للفيلم في لحظة الانغماس الابدية المتداخلة مع دهشة الحضور في هذا الظلام الساحر، الذي تشتعل أساطيره خيوط الضوء القادم من غرفة العرض السينمائي.
وآخرون يرون أن مشاهدة الأفلام السينمائية، هي حاجة اجتماعية وفكرية، اذ يعتقدون أن مواكبة التكنولوجيا الحديثة أمر لا بد منه، وهم إن مالوا فيميلون إلى التغير الاجتماعي والفكري الحاصل في عراق ما بعد 2003، فمن وجهة نظر المخرج السينمائي ملاك عبد علي، فإن السينما  " مرآة الشعوب لأن لغة الصورة، هي أقرب إلى الوعي الاجتماعي، وبناء الذات الإنسانية"، ويضيف عبد علي: "ان وظيفة صناع الأفلام، هي بناء المجتمعات وإيصال الأفكار، من خلال الفيلم السينمائي، وهناك أمثلة كثيرة على مجتمعات أوروبية غيرت قوانين وأنظمة بسبب فيلم سينمائي أو مشهد درامي "ويرى صاحب "بايسكل" :" أن  المواطن العراقي أصبح يرتاد السينمات بشكل ملفت، كما لو أنها جزءٌ أساسي من حاجاته الحياتية.. فبدأ الإقبال على بناء سينمات المول بشكل متزايد".