طلال الغوار.. بوحُ الذاكرة سرداً

ثقافة 2023/10/31
...

  كاظم غيلان

{الأفكار كالحدائق، وهكذا عليها أن تكون}. بهذه الجملة وبكل ما فيها من اختزال يسجل طلال الغوار بوحا سرديا خارج تجربته الشعريَّة وداخلها كذلك في إصداره الجديد (نداء لصباحات بعيدة) الصادر عن دار أمل الجديدة - دمشق 2023.

في هذا الإصدار يسجل الغوار وقائع حياة عراقيَّة امتدت منذ طفولته إلى يومه هذا، أمكنة زاخرة بجمالياتها، تحولاتها، انكساراتها، انتصاراتها. 

سنوات ضاجة بصراعات السياسة ونقيضاتها في الشعر والحب والغناء، وبكل ما يبعد الروح عن تلوثات لن يتخلص منها شاعر كالغوار إلا بلقاء حبيبته الأولى قرب شاهدة قبر، تلك مقبرة المدينة، ما أقسى تقاليد مدننا الصارمة بمحرمات اجتماعيَّة تدفع بالحب إلى مقبرة !!

بشيء من سحر الأمكنة في الذاكرة الأولى وما جرى لها من وقائع املتها تحولات حادة خارجة عن إرادة الجمال وينابيعه الأولى يكتب الغوار عن (السحل) المنخفض الصغير الذي يدخل قائمة المحظورات و(قهى مرعي) التي تحولت إلى أكوام من حجر.

في وقائع السرد هذه لابد من بداية لنشأة مؤلفها، تلك التي لخصها في (بيتنا الطيني) ودفء والده الفلاح الطيب الذي تحول إلى موظف منتقلا إلى قلب المدينة مخلفا رائحة (الطرقات) كلهــا حتـــى تـــلك التي(تمشي في السماء)

الوعي المبكر وقدح شرارات موهبته الشعريَّة كانت حاضرة مع صحبته الأوائل، كيف واجه تهمة العمالة التي الصقت بقصيدة الشعر الحر، كانت بصيغة دفاع المثقف عن قضاياه .

(أحببتك .. فكنت سجنا ومنفى) فصول دامية من رحلة الغوار مع تجربة السجن في بلاده - المنفى، كما يراه، الشاعر في السجن يقترح الحرية التي لابد منها لكن عبر نفق مصحوب 

بعذابات.

لخص الغوار انكساراته كأي عراقي احس ورأى ما حصل في (صباحات مهشمة) عشناها كعراقيين عبر مشاهد سردية ك (شارع المتنبي 2003) و (لا بغداد في بغداد 2005) التي شهدت احتقانا طائفيا مقيتا كاد يؤدي بحياته، بحياتنا جميعا ونحن نحاط بمفخخات الإرهاب والأسلاك الشائكة والصبات الكونكريتية العازلة.

طلال الغوار واحد من عشاق الشام بقوة انتمائه للجمال، ومن سواها حاضنة؟. 

يجيب عن ذلك في (لاتقرأ صباح دمشق إلا شعرا حيث بيت نزار قباني، ميسم، خالد ابو خالد)

ليس بالشعر وحده تتلخص تجربة الشاعر، ففي إصدار طلال الغوار هذا انعكاسات لمراياه الداخلية وبكل ما امتلكت من اشعاعات جمالية تضيف لتلك التجربة شحنة وعي عال مضافة لعمق مساره المعرفي.