كاظم الحسن
ربما أكثر من تناول الصمت على شكل مسرح، هو صمائيل بيكت، الشاعر والناقد والكاتب المسرحيّ في مسرحياته المتعددة، ولكن عبرة رؤية وجودية عبثية ومن أهم مسرحياته "في انتظار غودو"، والبعض كان يراه يسير على خطى جيمس جويس، وفكرة الانتظار تتصل بالصمت لأن ينتظر من يأتي ولا يأتي؟ وفي هذا الكتاب " الصمت في عصر الصخب " لمؤلفه الرحالة النروجي ايرلنغ كيج، يأخذ الصمت من زاوية أخرى، حسية وليس تجريدية، فهو يتساءل عن معنى الصمت ؟ أين عساه أن يتواجد ؟ لِم الصمت مهم الآن أكثر من أي وقت مضى ؟ يقدم الرحالة النرويجي ثلاثا وثلاثين محاولة، للأجابة عن هذه الأسئلة، معتقدا بأن أسرار العالم المدهشة، تكمن في الصمت، وذلك بعد أن سافر للقطب الشمالي لمدة 50 يوما لوحده، مشيا، على الاقدام.يتجاوز بنا الكتاب، المفهوم السمعي السائد للصمت والصخب ويتقاطع مع الثقافة الحديثة، التي تتسم بكثافة المعلومات، والجوع المستمر للتواصل وعبادة الانشغال.
وينقل المؤلف عن كاتب مسرحي نرويجي هو" جن فوسيه في وصفه للصمت :" إن الصمت يتحدث بطريقة ما وهو يرتبط بالدهشة، لكن له نوع من الجلال كامن فيه، نعم مثله مثل محيط شاسع أو مثل امتداد ثلجي لا نهاية له، وأيا كان، من لا يتوقف مندهشا لذلك الجلال فإنه يخافه. وهذا هو السبب تقريبا في أن الكثيرين يخافون، لذا تجد الموسيقى في كل مكان، في كل مكان ".
ويصف رحلته إلى القطب الجنوبي " أنتراكتيكا هي اهدأ مكان ذهبت اليه وحيدا في القطب إلى القطب. وفي ذلك المنظر الرتيب الشاسع الذي خلا من أي صخب إنساني غير تلك الاصوات التي صدرت عني أنا، وحيدا كنت على الجليد، وفي ذلك العدم العظيم اللامتناهي، استطعت أن أسمع واستشعر الصمت ". الرحالة النرويجي يستذكر طفولته التي ارتبطت، مشاهد منها بالحلزون " حين كنت طفلا كنت أسحر بالحلزون الذي كان يقدر على حمل بيته حيثما يذهب، وأثناء رحلتي سحبت كل : الطعام، والمتاع، والوقود الذي احتجته لرحلتي كلها على مزلجة، ولم افتح فمي لأقول شيئا، صمت، ولم يكن معي مذياع تواصل، ولم أر مخلوقا حيا واحدا طوال خمسين يوما، لم أفعل شيئا سوى التزلج كل يوم جنوبا. وحتى عندما كنت اغضب بسبب انكسار شيء ما، لم أكن أتفوه بأي لعنات، إن جلد الذات يحبطك ويكدر مزاجك. وذلك هو السبب في أني لا أسب، ولا أحلف أو أشتم في رحلاتي ".
وينقل الرحالة النرويجي عن " بليس باسكال قوله : كل مشكلات العالم تنجم من عجز الإنسان من الجلوس صامتا في غرفة بمفرده ". ويسحرنا بجمال رؤيته للسماء المرصعة بالنجوم، :"هي أصدق صديق في الحياة. منذ أن تبدأ التعرف عليها، إنها دائما هناك، تمنحك السلام الدائم.
وتذكرك دئما أن قلقك، أو ضجرك، أو نفاد صبرك أو شكوكك أو آلامك هي مجرد أمور تافهة أو عديمة الاهمية. وهذا لا يتم إلا حين تكون خارج الابواب المغلقة. أنا أرى أحد الكونين ممتد ومتسع في الخارج، والآخر ممتد متسع في الداخل. الكون الأخير هو الكون الادعى للاهتمام والتأمل، لأنه كما استنتجت الشاعرة إيميلي ديكنسن على نحو صائب :الدماغ أوسع من السماء. وقد غنى ديتش مود: كل ما أردته/ وكل ما احتجته/ هو هنا في يدي. إن عليك أن تعثر على قطبك الجنوبي.