ليست كل التحرشات مرفوضة ..!!

آراء 2019/05/11
...

حسين الصدر 
 

- 1 -
من أبشع ألوان التحرش : التحرش الجنسي ، الشائع في هذه الايام ، والمستفحل بضراوة – للاسف الشديد – 
ونحن نشجب التحرش الجنسي ولا نقبل ايّ شكل من أشكال تبريره، ولكننا لا نسقط من الحساب ان هذا التحرش كثيرا ما يأتي متزامنا مع ظهور الفتيات بمظهر بعيد عن الحشمة ، ولا يخلو من اشارات مريبة تفتح الباب أمام المراهقين للبدء بعمليات تحرشهم الجنسي ...!!
 
- 2 -
وهنا تكفينا الاشارة الى أنَّ القرآن الكريم قدّم (السارق) على (السارقة) في آية السرقة فقال :
{ السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} 
وفي الاية اشارة الى ان الرجال هم الذين يجترحون جرائم السرقة متقدمين فيها على النساء .
بينما نرى القرآن الكريم يقدّم (الزانية) على (الزاني) في آية الزنا 
فيقول:
{ الزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مائة جلدة } 
في اشارة واضحة الى الدور الانثوي في الاغراء والوقوع في الفتنة ...
فمسألة التحرش الجنسي من الخطأ ان يُلقى اللوم فيها على بعض المراهقين دون الاشارة الى الدور المحموم الذي تُمارسه بعض المراهقات والذي قد يفتح الباب لذلك التحرش ...
 
- 3 -
وألذّ ألوان التحرش وأطيبها طعماً ونفعاً هو التحرش العلمي – اذا صح التعبير – فقد يدخل معك على خط المواجهة من لا تربطك به صداقة أو علاقة ولكنه – ومن باب التحرش العلمي – يقتحم أسوار قلبك المغلقة ويدخل بلا استئذان .
هذا اذا كان الانسان صادقاً في حبه للعلم والتعمق فيه .
أما اذا كان من أدعياء العلم والمعرفة ، ومحدوداً للغاية في تحصيله العلمي، فانه ينفر من ذلك ، ويعده مساسا بحريته الشخصية المعتدى عليها ..!!
 
- 4 -
ومن المفيد أنْ نُورد هنا مثالاً تاريخيا لهذا التحرش العلمي جاء في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي ج20 ص 319 :
“ قال السمعاني :
كنت أنسخ بجامع (بروجرد) فقال شيخ رثُّ الهيئة :
ما تكتب ؟
فكرهت جوابَه وقلتُ : 
الحديث 
فقال :
كأنك طالب 
قلتُ :
نعم 
قال : من أين انت ؟
قلت :
من مرو 
قال :
عمّن روى البخاري من أهل مرو ؟
قلتُ :
عن عبد الله بن عثمان ، وصدقة بن الفضل 
قال :
لِمَ لُقّب عبد الله بِعَبْدان ؟
فتوقفتُ ،
فتبسم ،
فنظرتُ اليه بعين أخرى وقلتُ :
يُفيد الشيخ 
قال :
كنيتهُ أبو عبد الرحمن 
وأسمه عبد الله ، 
فاجتمع فيه العبدان فقيل :
عبدان 
فقلت :
عمن هذا ؟
قال :
سمعته من محمد بن طاهر “
ونلاحظ هنا :
1 – ان الهيئة الرثة لا تدل بالضرورة على بُعدْ صاحبها عن العلم 
2 – ان الشيخ الرث الهيئة أدرك من خلال متابعته للسمعاني وهو ينسخ الكتب، أنه لابُدّ ان يكون من طلاب العلم .
3 – وحين علم انه من (مرو) سأله عن الذين روى البخاري عنهم من أهل مدينته وسرّه ما سمع من السمعاني .
4 – ولم يكن التحرش هنا بقصد الانتقاص ..، وانما كان بداعي الافادة 
وبالفعل جاء توضيحُ سببِ تلقيبِ (عبد الله بن عثمان) بالعبدان، مفيداً للسمعاني الذي لم يكن على دراية به .
5 – ان هذا التحرش العلمي كان سببا في نظر السمعاني (البروجردي) للنظر الى الشيخ (المتحرش) بعين أخرى، فبدلا من النظر بعين الاستهانة بشيخ رث الهيئة أصبح النظر اليه بعين الاجلال والتقدير .
6 – واذا كانت البلاغة مطابقة مقتضى الحال، فلا بد أنْ يكون التحرش العلمي مطابقاً لمقتضى الحال ايضاً .