د . قيس العزاوي
ربما يكون من أبرز مظاهر التصدع في جبهة الغرب هو تحذير الرئيس الامريكي دونالد ترامب لدول الاتحاد الاوروبي من محاولاتها الالتفاف على العقوبات الامريكية ضد ايران، مع علمه المسبق بعدم قناعة الاوروبيين بحصار ايران اقتصادياً ،
وانهم فرادى ومجتمعين سيتعاملون مع ايران وفقاً لما تمليه عليهم مصالحهم. وتصدع جبهة الغرب هذا في حالة اتساع متواصل بفعل المصالح الاقتصادية المتضاربة، فاوروبا الصاعدة لن توافق على لغة التهديد والوعيد الامريكية، وسوف تدافع عن سيادتها السياسية ومصالحها الاقتصادية بشتى الطرق.
وبدايات التصدع في جبهة الغرب ليست جديدة وانما تعود لاعوام الثمانينيات من القرن الماضي، عندما بدأت الاجهزة الامريكية تتجسس على الحلفاء الاوروبيين اقتصاديا اولا ومن ثم سياسياً وامنياً، حتى اصبحت تلفونات المسؤولين الوروبيين الحكومية والشخصية مراقبة اميركياً، الى درجة أدت، في دول اوروبية عديدة، الى كشف المستور وطرد بعض الدبلوماسيين الامريكيين.
ومما لا ريب فيه فإن ازمة الثقة ما بين الولايات المتحدة والدول الاوروبية قد تضاعفت عشرات المرات بوصول الرئيس الامريكي ترامب الى رئاسة بلاده، وبخاصة بعد ان تعامل مع الحلفاء والاصدقاء بنحو متعال واستفزازي، فرفع من شأن المصالح على حساب التحالفات الستراتيجية. كما انه قد زاد من البعد الاستعراضي في سياسته الخارجية وأهان الحلفاء والاصدقاء من اجل مكاسب آنية ولارضاء النزعة الشعبوية التي تهيمن على سلوكه السياسي.
“لقد بلغ السيل الزبى” هكذا عبر العديد من القادة الاوروبيين وبخاصة الالمان والفرنسيون مستنكرين لغة الاهانة الامريكية لسياساتهم . ومن المفيد ذكر بعض المظاهر التي تشير الى ازدياد حدة التصدع ما بين الولايات المتحدة واوروبا:
أولا- تعقيباً على تصريح ترامب بـأن «الولايات المتحدة الأمريكية لن تستمر في حماية أوروبا» جاء اقتراح الرئيس الفرنسي عمانوئيل ماكرون بإنشاء جيش لأوروبا يحميها من الأطماع الروسية والصينية وحتى الأمريكية. وقد استفز ذلك ترامب ودفعه لمهاجمة ماكرون ومشروعه.
ثانياً - رفع الرئيس ترامب شعار”امريكاً أولاً” على حساب التضامن والتحالف الستراتيجي مع اوروبا فاصبحت مصالح رجال الاعمال والشركات الامريكية لها الاولوية ولها حق مقاطعة او تغريم اية سياسات اوروبية معارضة لسياستها، مما دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الى ان تحذر من مخاطر الهيمنة التي سترسخ الانعزالية الأمريكية .
ثالثاً- اعتبر ترامب ان حلف الاطلسي بقيادة امريكا يحمي اوروبا وعلى الاخيرة دفع ثمن ذلك من خلال المساهمة بالتكاليف بما اسماه “ تحمل الاعباء” الامر الذي اثار غضبا اوروبيا وتصريحات فرنسية والمانية وبلجيكية تستنكر الابتزاز وتطالب بتحرير الارادة الاوروبية من الهيمنة الامريكية. وقد تطور اتجاه اوروبي بالتقرب من روسيا على غرار ما فعلته تركيا وهي العضو المؤسس في الحلف الاطلسي عندما قررت شراء صواريخ اس 400 من روسيا مما أثار الغضب الامريكي .
رابعاً - وفي الميدان التجاري ضغط ترامب وساوم وحاول اجبار الشركات الاوروبية واخضاعها لمصلحة الشركات الامريكية، وأمر بفرض غرامات وضرائب على الشركات الاوروبية وعلى استيراد السيارات الأوروبية إلى بلاده، مما زاد في حدة الفجوة ما بين الطرفين ودفع الاوروبيين لتقديم شكوى الى منظمة التجارة العالمية لحماية المصالح الاوروبية.
خامساً - العمل الامريكي على تقويض الاتحاد الاوروبي: يقول عضو البرلمان الاوروبي عن بلجيكا غاي فيرهوفشتات، لقد كنا نعتقد بأن امريكا تقف الى جانبنا ، لكن الوضع تغير مع دونالد ترامب فاللمرة الأولى في التاريخ يسعى رئيس أمريكي الى انهيار الاتحاد
الأوروبي.
ومما سبق تتضح لنا الفجوة ما بين امريكا ترامب والدول الاوروبية. ومن الواضح ان الاخيرة تقوم اليوم بمساعي تعميق تكاملها الاقتصادي واستقلالها الامني بنحو خاص وتعزيز التعاون مع روسيا والصين للبحث عن ضمانات وبدائل من ناحية، والسعي في الوقت نفسه لتقرير سياستها الخارجية بما يتوافق مع مصالحها، لذلك فهي تعمل اليوم لايجاد طرق استمرار التعاون التجاري مع ايران طالما هي لم تخرق الاتفاق النووي من ناحية ثانية.