قصتان قصيرتان جداً

ثقافة 2023/11/01
...





شيلا هَتي


ترجمة: جودت جالي


حوريَّة ماء في الجرة

عندي حورية ماء في جرة اشتراها لي كيلتي من سوق خيرية بخمسة وعشرين سنتا. الحورية تقول لي: “ أكرهك، أكرهك، أكرهك”، ولكنها في جرة وما دمت لا أفك أعلاها فلن تخرج وتقتلني. أبقيت الجرة الصغيرة على عتبة النافذة، خلف سريري بالضبط، قرب رأسي بالضبط بحيث لو رفعت نظري في وسط الليل، أرفعه وأنظر خلفا، أراها تسبح في البركة المظلمة الصغيرة لبرازها وقيئها، وأستطيع أن أبتسم. أستطيع أن أقول: “ أهلا أيتها الحورية! كيف حالك هذا المساء الرائع؟”،  أو أقول : “ كم هو سيئ أنك غاية في الجمال، وغاية في الشباب، وأنت محصورة بحيث لن تخرجي أبدا من تلك القنينة، ها ها”.

ذهبت مرة في سفرة مدرسية وجلبت حوريتي معي، لتنال بعض الرعب. كنا ذاهبين إلى شلالات نياغارا وكنت أفكر: “ تمام، حسن، ربما أحملها فوق السياج، وأجعلها تخاف قليلا، وأعيدها إلى مكانها”، أو أفكر بأن أفلتها لتسقط إلى أسفل الشلالات وإلى خارج حياتي، ولكن ما إن وصلنا نسيتها في حقيبة غدائي البنية مع سندويش جبني الحار، تحت مقعدي في حافلة المدرسة الصفراء. في الواقع إنها قضت الطريق ترج نفسها حتى امتلأت منها ضيقا.

أقمت حفلة ذات مرة ودعوت كل صديقاتي، سبع فتيات صغيرات، للعب والنوم عندي، وطلبنا في الهاتف كل رقم خطر في بالنا، وطلبنا البيتزا مرتين، ولم نترك شيئا لم نتحدث فيه، ثم خطر في بالي، “ لماذا لا آتي بالحورية للعرض؟ يمكنهن عمل حركات لها بوجوههن، ويمكنهن الحصول على كفايتهن من اللهو بها، ويمكننا تقاذفها خلفا وأماما مثل كرة قدم صغيرة حقيقية”. ولكن عندئذ كانت إيما قد راحت في النوم، وبعدها وندي وكارلا والبقية، والحورية بقيت محجوزة في الخزانة حيث وضعتها ذلك العصر. 

حين فكرت مرة بأنها بحاجة إلى قليل من التأديب دحرجتها وهي في قنينتها التافهة إلى أسفل التل، وفي مرة أخرى رميتها عميقا في بركة أفضل صديقاتي. إنها الآن تصبح عجوزا كما يبدو حتى إني رأيت شعرا رماديا يوم الجمعة، وتجاعيد تنتشر على جلدها كله. لم أكن أحبها كثيرا في ما مضى، والآن أنا أحبها حتى أقل. كنت أفكر بما يمكن أن أفعله معها، ولكني قررت مجرد الاحتفاظ  بها هناك قليلا، في الأقل إلى أن أكون سعيدة مرة أخرى.

The short story project

شجيرة توت العليق


 امرأة عجوز صغيرة لم تتوقف في حياتها عن الابتسام أبدا سارت من حديقتها إلى داخل مطبخها. كانت واقفة تحت الشمس لعشرين دقيقة، والدموع في عينيها، ناظرة إلى شجيرة توت العليق الجميلة التي ماتت خلال الليل. وجدت بدلا من توت العليق الأحمر البهيج ثمرا أسود هشا، وقد سقط إلى الأرض عند أقل لمسة. الشمس ترسل شعاعها من خلال النافذة وتضيء كل شيء بومضات من الذهب، بينما كانت المرأة العجوز، التي لم تتوقف عن الابتسام، تتصل بأختها بحزن هائل. كانت أختها في الثامنة والثمانين وتعيش في كاليفورنيا. قالت لها في الهاتف :” توت العليق ميت”.

ردت أختها: “ حسن، الأحفاد يخرجون من المدارس مندفعين بطيش، ومارتا حامل، وسام يطلق زوجته، وزوجته تقيم مع غجرية. الطفلة مصابة بالإنفلونزا ولا تتوقف عن السعال. كنت هناك قبل يومين وكل ما كانوا يتحدثون عنه هو النقود منذ أن طُرد توم من المشروع، ناهيك عن أن تيموثي لم تتوقف عن مواعدة الرجل وكلنا نعتقد بأنه مصاب بالأيدز أو السيلان أو ما شابه. شاهدت الأخبار اليوم، أذاعوا خبرا عن الإعصار في الأنديز، وكما تعرفين، هذا يحدث حيث ذهب ديفيد وسو للتزحلق في الأسبوع الماضي. كل شيء هنا بائس يخيم عليه الحزن والخوف”.

استمعت المرأة العجوز الصغيرة إلى أختها، وعندما أكملت كلامها، أعادت المرأة العجوز الصغيرة التي لم تتوقف عن الابتسام أبدا السماعة إلى مكانها، وجلست في مطبخها المنقط  بالذهب. سمعت طرقة على الباب. نادت: “هلو؟”، ونهضت واقفة وخطت نحو الباب لتختلس النظر من خلال ثقب الرؤية، فرأت شابا يعتمر قبعة التوصيل ويحمل باقة أزهار. فتحت الباب. تجعد فمها بابتسامة قائلة: “ ما هذا، لا يمكن أن تكون هذه الزهور لي”. سألها: “ هل أنت الآنسة مارسيا....”. قاطعته: “ كلا أيها الشاب. إنها في البيت المجاور”، وأغلقت المرأة العجوز التي لم تتوقف عن الابتسام أبداً الباب وذهبت لتجلس إلى منضدة مطبخها. كان النهار طويلا، ولا تزال فيه ثماني ساعات أخرى. كانت قد قررت أن تأكل ثمرات توت العليق، واحدة واحدة، حتى آخر واحدة منها. لكن خلال الليل ماتت الشجيرة ولن يوجد توت عليق مرة أخرى أبدا. أسندت المرأة العجوز الصغيرة رأسها إلى المنضدة وأخذت تبكي. لقد بكت على منضدتها كل يوم، ولكن لم يعرف أحد.

THE BROADVIEW ANTHOLOGY OF SHORT FICTION