ضحى عبدالرؤوف المل
يُتقن الفنان اللبناني “عبدالمجيد مجذوب” اللغة العربية التي تُشكل نقطة أساسية في حياته، وليس فقط في التمثيل النابع من حركة الجسد، وخامة الصوت الذي يُضفي على الكلمة المكتوبة إحساساً بمعناها الواسع تمثيلياً. إضافة إلى التعبير الهادئ الذي تميَز به بين العيون والفم وحركة الرأس واليد، وبهدوء استثار من خلاله المُشاهد سمعياً و بصرياً ،كما هي الحال مع الراوي في مغامرات السندباد وأدواره بين المتنبي وامرؤ القيس بعيداً عن مسلسلاته مع الراحلة هند أبي اللمع . فاللغة الممسك بناصيتها هي قوة درامية تضعه أمام ما هو فني تعبيري تمثيلياً، وتجعله كقوة مضادة أمام النص بشكل دراماتيكي، بين المصدر والهدف ، فيبقى مرتاحاً، لتمكّنه من فهم حركة الكلمة التي يجعل منها قوة تعبيرية مذهلة حسياً . خاصة في مسلسل عازف الليل وألو حياتي، وهما يعتبران الأبرز في قوته الدرامية . لأنه جمع بين النطق السليم وحُسن الآداء ، والجمال الإنساني لما أكسبه من وفرة استحسان نسائي كبير تخطى به أرقاماً خيالية في زمن عرض مسلسلاته التي ما تزال مرجعاً درامياً لغوياً إن صح القول . فالمحفِّزات الحسِّية التي أمتلكها (صوتية ،بصرية ) فرضت الفعل التمثيلي الذي لعب دوراً أساسياً في تعدد الخامات الصوتية المؤثرة في الحواس ، مما جعله مريحاً في التمثيل أمام المشاهد الذي يسمعه قبل أن يراه . وإن سمعه شعر بأحاسيسه في النطق الذي برع فيه كما لم يبرع به أي ممثل آخر . برغم أن الزمن الدرامي اللبناني ، والذهبي الجميل حمل في ذاكرته بعض من الفنانين أصحاب الخامات الصوتية التي لا تُنسى كصوت الفنان وحيد جلال وغيرهم ممن نشأنا على أصواتهم عبر الرسوم المتحركة في الثمانينات والتسعينات . إلا أن الفنان عبدالمجيد مجذوب يُعتبر الكود الصوتي التمثيل اللبناني الذي لا يمكن أن يتيه السامع عن شخصيته أو الكاريزما الحقيقية كبصمة ذات مفعول لفظي تعبيري خفيف على حواس المشاهد. وما بين الجملة العربية بعباراتها الدرامية والتمثيل المرئي المثير للجدل في العصر الحديث . فهل يمكنني أن أعتبر أن نقطة الارتكاز الدرامية عند عبدالمجيد مجذوب هي بشكل سيميولوجي حقيقي تنقلنا من النص المكتوب إلى النص اللفظي عبر صوته قبل أن نغرق في فن الآداء الخاص به ؟ وهل استطاع الفنان عبدالمجيد مجذوب الأمساك بخيط القوة الثلاثي وهو درامية النص الصوتي الفصيح لغوياً والآداء التمثيلي تعبيراً والكاريزما المرنة والهادئة رومانسياً ؟ وهل أصاب وحي الكلمة العربية وتباين جرس حروفها طبقة صوته الوعي التمثيلي المصقل في جسد ذي كبرياء درامي وشموخ خاص؟
تعزز شخصية الفنان “عبدالمجيد مجذوب” القيمة الدرامية عند بعض من الباحثين الشباب، وعند الكثيرين ممن يحبون سماع اللغة العربية بشكل درامي عبر صوته واتساعه في فضاءات الخيال عبر أذن المُشاهد ، ونحن نمضي نحو عالم الأنيمي المُترجم بلغة عربية فصحى أحبتها فئة عمرية كبيرة ما بين المراهقة والكهولة ، وربما تعيدنا مع الزمن الحديث في عصرنا الحالي عبر المستقبل القريب إلى شخصية تجعلنا نسترجع الزمن الذهبي الدرامي، لنستعيد من خلال ذلك قيمة النص الدرامي الذي افتقدناه أدبياً ودرامياً ولغوياً ولفظياً في هذا الزمن الدرامي الحديث المُعتمد في غالبيته على لغة الجسد قبل الصوت الذي يأسر حاسة السمع قبل النظر . فتعبيراته التمثيلية قابلة للقراءة البصرية التي تترجمها كلمته الشهيرة “ حياتي” فانبعاث الصوت في لحظتها حمل الكثير من المؤثرات الإنفعالية عند المُشاهد المُستكشف لايماءاته قبل النطق بحروف الكلمة التي أصبحت تاريخية في لبنان عند كلمة “ألو “ فقد تكيف مع اللغة العربية الفُصحى بشكل مكَنه من فهم تأثير الكلمة في الجسد من خلال السمع. فهل لعب الفنان “عبدالمجيد مجذوب” على عنصر الإيحاء الدرامي خاصة في حركة العيون والفم، من خلال قدرته على إتقان مخارج الحروف عند التلاعب بدرجات الصوت عند اللفظ المؤثر نفسياً وبشكل عاطفي في المشاهد؟ أم أنه يصعب فكّ شفرة خامته الصوتية التي تجذب المستمع نحو المعنى بلطف عبر اللغة العربية الفُصحى ؟ وهل برهن خلال مسيرته الفنية على أهمية الجسد والصوت معاً وعدم انفصالهما في التقييم الفني التمثيلي عند الممثل؟