د. طه جزاع
في ترجمتْهما لرِحلة الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس إلى أرض فلسطين التي قام بهابين عامي 1926 - 1927 موفداً من إحدى الصحف اليونانية، لتغطية احتفالات عيد الفصح المسيحي، يكتب مترجما الرحلة إلى اللغة العربية عنواناً ثانوياً يشير إلى أنها "أخطر وثيقة ضد الصهيونية يكتبها روائي ومفكر عالمي في أوائل هذا القرن"، والمقصود بذلك القرن العشرين، فقد أنهت الأديبة الفلسطينية الراحلة منية سمارة مع الشاعر الأردني الفلسطيني الراحل محمد الظاهر ترجمة هذا الجزء من كتاب " ترحال" لصاحب رواية "زوربا اليوناني"، ونشراه بالعربية، في العام 1989 تحت عنوان "رِحلة إلى فلسطين".
" ترحال" ينتمي إلى أدب أو صحافة الرِحلات، وفيه كتب كازانتزاكيس مشاهداته وانطباعاته في عدد من البلدان، التي زارها في مهمات صحفية، ومنها فلسطين ومصر وإيطاليا وقبرص، وقد صاغها بلغته الأدبية المعروفة وإحالاته الكثيرة إلى النصوص الدينيَّة والأحداث التاريخية، فهو من الكُتَّاب المؤمنين بما جاء في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ورِحلاته لم تخلُ من ذلك، مثل سيرته الذاتية الفكرية التي دوَّنها في " تقرير إلى غريكو"، وترجمها ممدوح عدوان. وفي التصدير الذي كتبه المترجمان للجزء الخاص بفلسطين، وهو تصدير يستند إلى المقدمة الإنجليزية للطبعة الكاملة لكتاب " ترحال "، فإن الروائي اليوناني قد أدان الصهيونية قبل أن يتنبه العالم إلى الخطر الصهيوني، وأنه حاول أن يطرح نبوءته للقرن العشرين حول الخطر القادم للصهيونية، "هذه النبوءة التي جاءت الوقائع لتؤكد صدقها".
لم يكن كازانتزاكيس معادياً لليهود، على العكس من ذلك فهو يعلن أنه يحب اليهود، لكنه كان مؤمناً أن الشتات هو قدرهم، ولا جدوى حسب اعتقاده للهرب من هذا القدر، أو البحث عن السعادة والأمن في هذا البلد النائي، ويقصد فلسطين الأرض التي سوغت الصهيونية للشعب اليهودي الهجرة إليها من شتى بقاع العالم، ليستقروا فيها بعد شتاتهم الطويل. وهو يرى " أن الحلم الصهيوني سينتهي بشكل تراجيدي، وكان ينظر إلى الشتات كخيمة تاريخية، شكلت الجنس العبري عكس مشيئته ورغباته "، وتتجلى أفكاره هذه بكل وضوح في محاورته مع الشابة اليهودية " جوديت " التي كانت تدرس الطب، ولم تكن لديها انتماءات لأي دين أو بلد، لكنها أصبحت صهيونية متحمسة فهاجرت إلى " أرض الميعاد".
يقول كازانتزاكس مخاطباً جوديت: " أنكم لن تجدوا السعادة والأمن هنا في فلسطين، الحركة الصهيونية منافية ومناقضة للمعالم العليا لجنسكم البشري". لكنه يذهب في خياله بعيداً حين يقول: "آمل – لأنني أحب اليهود – أن يتمكن العرب، عاجلاً أم آجلاً من طردكم من هنا، وأن يعيدوا تشتيتكم في هذا العالم"!.