رندة حلوم
بريشته المشبعة بالفكرة الوجودية قبل اللّون الموجود، يطلق الفنان محمد بدر حمدان صافرة القطار المسافر عبر ذاته إلى عوالم مختلفة، زاد رحلته الفلسفة،
ومدادها الشعر والحركة اللونية المتناغمة مع ذات الفنان القلقة في هذا الكون، والباحثة العابثة في اللاشيئ والشيء وما بينهما ، وفي العدم والصورة وما خلالها، السفر في عالم الفنان يصل به إلى عالم الآخر من خلال القبض على الفكرة قبل التماهي مع هالة
المشاعر .
التشكيلي السّوري محمد بدر حمدان تشكيلاته بروح الحضارة وروح البحر مع أسرار أوغاريتية عابقة بتاريخ المكان وحكايات الإنسان ، هي تشكيلات عالية الرّمز سريعة التّكوين والحركة بعضها بروح المستقبل الشاسعة، وبعضها عالية الصوت في صراع الإنسان مع نفسه قبل صراعه مع الآخر ، لذلك تنطلق الصرخة عبر أكثر المساحات وضوحاً في تشكيله الثري بالصراع، حتى يكاد يخرج حتى الإنسان من مربع التشكيل كرغبة جامحة في الثورة على الوجود والرغبة في قلب حركته، التي لم تتماشَ ربما مع رغبات الفنان الباحث عن ثمار الحكمة .
اهتم حمدان بتكوينات الإنسان كمنطلق للوجود والمكان، كبُعدٍ من أبعاد مكونات الفلسفة ، لا يبتعد الفنان في فنه عن كونه مفكراً وشاعراً مبحراً في عوالم ما قبل ومابعد الرحلة الكونية ، فتجربة الإنسان لدى حمدان غنية بالموروث الفكري وثراء هذا الموروث عنده ينبع من دراسة وعمق ونظرة خاصة للبعيد .
ألوانه هي ألوان البيئة يسودها الانسجام العقلاني بين الخط واللون والفكرة .
عندما تقف أمام عمل للفنان أنت لست حياديّاً بالتأكيد سيحملك إلى داخل عالمه، وربما يلاطف وجهك ، موج البحر وتتراقص حولك
أسماكه والشباك ، الوجوه ليست صامتة هي صائتة بدرجة عالية من الإحساس والحركة الشعورية الموجَّهة، فعناصر التكوين عند الفنان مكتملة حتى كمال دهشة جمالية راقية نخبوية وعالية، من خلال تجربة طويلة متراكمة الدهشة بعيدة الذراع في قطاف ثمار الحكمة والتمتع
بالفلسفة .